كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في تحقيق استقصائي حديث، عن معطيات تشير إلى تورط إيران في تدريب مئات من مقاتلي جبهة البوليساريو، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدًا نوعيًا في سياسة طهران الخارجية، وتحوّلًا استراتيجيًا في عقيدتها العملياتية، من خلال توظيف جماعات انفصالية خارج نطاق وكلائها الشيعة التقليديين في الشرق الأوسط.
يذكر أن “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” المعروفة باسم البوليساريو تعرف نفسها بأنها حركة تحررية صحراوية، وقد تأسست في 20 مايو 1973، وتسعى لتحرير الصحراء الغربية مما تراه استعمارًا مغربيًا، غير أن الأمم المتحدة لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ولا تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة عضو في الأمم المتحدة لكن تعترف بالجبهة كمفاوض للمغرب.
دعم مباشر وتدريبات إيرانية لمقاتلي البوليساريو
بحسب التحقيق، قدمت إيران تدريبات عسكرية وأمنية لعناصر البوليساريو على مدى سنوات، عبر مدربين تابعين لها. وأفادت الصحيفة بأن عدداً من هؤلاء المقاتلين تم رصده لاحقاً ضمن شبكات مسلحة كانت تنشط داخل الأراضي السورية إبان حكم نظام بشار الأسد، قبل أن تقوم السلطات السورية الجديدة، بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر الماضي، بتفكيك هذه الشبكات واعتقال عدد من عناصرها.
توظيف الحركات الانفصالية خارج البيئة الشيعية
وصف مسؤول أوروبي الخطوة الإيرانية بأنها “سابقة خطيرة”، مشيرًا إلى أن طهران باتت توظف حركات مسلحة غير شيعية، في توسع لافت لنطاق عملياتها خارج ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي”. وأكد أن هذا التطور يعكس تحولا في نمط تحالفات إيران، وهو ما قد يُعيد رسم خارطة النفوذ الإقليمي في شمال أفريقيا.
معطيات استخباراتية وشهادات من داخل سوريا
أشارت واشنطن بوست إلى أن سقوط النظام السوري كشف عن حجم الحضور الإيراني داخل البلاد، بما في ذلك وجود مقاتلين من البوليساريو ضمن شبكات التهريب والعمليات غير التقليدية، لا سيما في المناطق الحدودية مع لبنان. وتحدث التقرير عن وثائق سورية مسرّبة، يُعتقد أنها صادرة عن وزارة الدفاع السورية، تظهر تنسيقا مباشرا مع ما يُسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”، بطلب من إيران، لتدريب 120 مقاتلا على القتال في قواعد عسكرية مختلفة جنوبي سوريا.
أبعاد إقليمية وتحولات استراتيجية
يرى خبراء أمنيون أن هذا التوجه الإيراني يهدف إلى توسيع جغرافية المواجهة مع خصومها الإقليميين، وعلى رأسهم المغرب، الذي يربطه تحالف وثيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ولفتوا إلى أن تدريب وتسليح البوليساريو يُمكّن طهران من تشكيل بؤرة توتر جنوب المغرب، وتصدير أدوات الصراع إلى مناطق جديدة خارج تقليدية نفوذها.
ربط التوسع الإيراني بالتصعيد في الصحراء الغربية
أعاد التقرير التذكير بتقارير صادرة عن “المجلس الأطلسي“، وهو مركز أبحاث أمريكي، كانت قد حذرت منذ سنوات من الدعم الإيراني العسكري والتقني لجبهة البوليساريو، بما يشمل تزويدها بطائرات مسيرة، وصواريخ أرض–جو، وقذائف هاون من طراز HM-16. وأشار المجلس إلى أن هذا الدعم أسهم في تصعيد العمليات الميدانية للجبهة، لا سيما في مناطق مثل المحبس وسمارة، ما اعتبر خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991.
تفكيك الشبكات الإيرانية في سوريا بعد سقوط الأسد
كشف التقرير أن القيادة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، باشرت بعد سقوط الأسد حملة واسعة لتفكيك الشبكات التابعة لإيران وحلفائها، شملت طرد الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري، واستعادة مخازن الأسلحة وطرق التهريب. وأشارت مصادر إلى اعتقال مقاتلين من البوليساريو في هذا السياق، بعضهم كانوا يعملون في شبكات تهريب أسلحة وطائرات مسيّرة على الحدود اللبنانية السورية.
رد مغربي وتحركات دبلوماسية ودولية
وكان المغرب قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران في مايو 2018، بعد اتهام طهران، بالتواطؤ مع حزب الله اللبناني، في دعم جبهة البوليساريو. وأكدت وزارة الخارجية المغربية آنذاك أن القرار جاء استنادًا إلى “أدلة دامغة” عن تورط إيران في دعم الجبهة عسكريا وإعلاميا.
وفي سبتمبر من العام نفسه، قدّم ثلاثة من أعضاء الكونغرس الأميركي مشروع قانون يُدين التواطؤ بين حزب الله والبوليساريو، مسلطين الضوء على الأدوار التخريبية لإيران في شمال أفريقيا، والتي اعتبروها مهددة للأمن القومي الأميركي.
تعزيز الدعم الدولي لمغربية الصحراء
في ظل هذا التصعيد، كثف المغرب جهوده الدبلوماسية، وتمكنت الرباط من كسب دعم دولي واسع لسيادتها على الصحراء، حيث افتتحت أكثر من 30 دولة قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة، من بينها الولايات المتحدة التي أعلنت اعترافها الرسمي بمغربية الصحراء، واعتبرت مقترح الحكم الذاتي “جادًا وذا مصداقية وواقعياً”.
دلالات
تشير المعطيات الميدانية والاستخباراتية إلى أن إيران تعمل على توسيع شبكات نفوذها لتشمل جماعات انفصالية مثل البوليساريو، بهدف خلق أدوات ضغط إقليمية جديدة في مناطق استراتيجية مثل شمال أفريقيا. وفي المقابل، تتحرك الرباط لتحصين موقفها السياسي والدبلوماسي من خلال دعم دولي متزايد، وتحالفات أمنية وعسكرية فاعلة، خاصة مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربي. ويبدو أن النزاع حول الصحراء المغربية قد بات حلقة جديدة ضمن صراع النفوذ المتعدد الأوجه بين المغرب وإيران.

