أفردت الصحافة العالمية مساحة كبيرة على صفحاتها لمراسم تشييع جنازة القائد الفكري لحركة الخدمة التي أقيمت بالولايات المتحدة أمس الخميس بمشاركة أكثر من ٢٠ ألف شخص، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، وفدوا من كل قارات العالم.
جاءت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في مقدمة الصحف التي خصصت مساحة واسعة للحدث في خبر تحليلي بعنوان “الآلاف يشيّعون رجل الدين التركي فتح الله كولن الذي توفي في الولايات المتحدة”.
افتتحت الصحيفة خبرها التحليلي بقولها: “اجتمع أفراد عائلة وأصدقاءُ ومحبّو فتح الله كولن لتوديع رجل الدين التركي البارز والعالِم الإسلامي، الذي وافته المنية هذا الأسبوع في منفاه الاختياري بالولايات المتحدة. حمل المشيّعون تابوت فتح الله كولن، القائد الروحي التركي البارز والعالِم الإسلامي، في صلاة الجنازة يوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في أوغوستا، نيوجيرسي”.
وواصلت الصحيفة بأن حشدًا كبيرًا تجمعوا حول قبر فتح الله كولن يوم الخميس، محاولين الحصول على فرصة أخيرة لتقديم احترامهم للقائد الروحي التركي البارز والعالم الإسلامي الذي وافته المنية يوم الاثنين من هذا الأسبوع في الولايات المتحدة.
بعد مراسم جنازة في الهواء الطلق في نيوجيرسي، تجمع الآلاف لتوديع كولن إلى مثواه الأخير في أراضي مركز “تشستنت” التابع له، وهو مجمع محاط بأسوار في جبال “بوكونو” بولاية بنسلفانيا، حيث عاش وعمل لربع قرن من الزمن.
واشنطن بوست نوهت بأن كولن ألهم حركة اجتماعية عالمية في وقت واجه فيه “اتهامات غير مثبتة بتدبير محاولة انقلاب عسكري فاشلة ضد الرئيس التركي عام 2016″، على حد تعبيرها، واستدركت قائلة: “لكن الآلاف ذكره يوم الخميس كرجل دين شجّع أتباعه على تكريس أنفسهم لله وللأعمال الخيرية”.
ونقلت الصحيفة عن أسامة توناغار، الرفيق القديم لفتح الله كولن قوله للمشيعين أثناء مراسم تشييع الجنازة: “نشعر جميعًا أننا فقدنا أبًا. ونشعر جميعًا كأننا أيتام. هناك الآن فراغ هائل في حياتنا. لكن الأستاذ كولن سيظل حيًا من خلال كتبه وخطبه، ومن خلال آلاف المدارس والمؤسسات الأخرى التي أسسها محبوه حول العالم، حيث إن إرثه ما يزال حيًا”.
وأشارت الصحيفة إلى أن أتباع كولن حملوا تابوته، بينهم من تتلمذ على يديه مباشرة أو درس في المؤسسات التعليمية لحركة الخدمة، ونقلوه إلى داخل الملعب، وقد غطي بغطاء أخضر وذهبي عليه آيات من القرآن الكريم، وذكرت أن شقيق كولن وأخته كانا حاضرين، في حين أن شقيقًا آخر غاب عن الجنازة لكونه معتقلا في تركيا.
وعبرت الصحيفة عن توقعاتها بعدم إقامة مراسم تأبين في تركيا، معقبة بقولها: “حيث إن الحداد العلني أو تمجيد كولن قد يؤدي إلى السجن بتهمة دعم الإرهاب”، في إشارة منها إلى إقدام السلطات التركية على اعتقال بعض الصحفيين، لمجرد الترحم على كولن، ونشر تعزية بهذه المناسبة، آخرهم رئيس تحرير صحيفة “يني آسيا” ذات التوجه الإسلامي كاظم كولتشيوز.
الصحيفة لفتت أيضًا إلى أن منى توركيولو، ابنة أخت كولن الكبرى، البالغة من العمر 22 عامًا، والتي كان والدها زميلًا مقربًا من القائد الديني لمدة 50 عامًا، قالت إنها تتذكر كولن كـ”قلب كبير ودافئ”، وإنها كانت تجلس في حضنه كطفلة صغيرة، وأنه كان يمنحها الشوكولاتة، لكنها كانت دائمًا على دراية بمكانته.
وقالت منى توركيولو أيضًا: “وإن كان كولن فردًا من أفراد أسرتنا، إلا أننا لم نكن ننظر إليه كجزء من الأسرة، بل كان دائمًا شخصًا نبيلاً وكان مصدر إلهام لنا جميعًا، ولملايين الناس”، على حد تعبيرها.
وفيما يلي نص التقييم الذي قدمته الصحيفة حول فكر كولن:
كان كولن واحدًا من أهم علماء تركيا، حيث لديه أتباع كُثر في وطنه الأصلي وحول العالم. وقد عاش في الولايات المتحدة منذ عام 1999، عندما جاء للحصول على علاج طبي.
تجمع فلسفته بين الصوفية — وهي الشكل التصوفي للإسلام — والدعوة القوية إلى الديمقراطية والتعليم والعلم والحوار بين الأديان. أنشأ أتباعه شبكة عالمية غير مركزية من المؤسسات الخيرية والجمعيات المهنية والشركات والمدارس في أكثر من 100 دولة، بما في ذلك 150 مدرسة ممولة من الضرائب في الولايات المتحدة.
بدأ رجل الدين كحليف للزعيم التركي رجب طيب أردوغان، ولكنه أصبح خصمًا له، واصفًا أردوغان بأنه “مستبد” يسعى إلى جمع السلطة وسحق المعارضة. بينما وصفه أردوغان كإرهابي، متهمًا إياه بتدبير محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، عندما استخدمت بعض فصائل الجيش الدبابات والطائرات الحربية والمروحيات في محاولة للإطاحة بالحكومة.
وقد قُتل ما مجموعه 251 شخصًا، وجُرح حوالي 2,200 آخرين، كما قُتل حوالي 35 من المتهمين بتدبير الانقلاب.
وبعد وقت قصير من محاولة الانقلاب، دعا رجل الدين المتحفظ عادةً الصحفيين إلى مكان إقامته في مجمع بنسلفانيا لينفي علمه أو مشاركته في التخطيط له. وقال إنه لن يعود إلى تركيا حتى لو نجح الانقلاب، خشية أن يتم “اضطهاده ومضايقته”.
وأضاف: “هذا مكان هادئ ونظيف وأنا أستمتع به وأعيش حريتي هنا”، واصفًا المنتجع الإسلامي المنعزل، الذي أسسه أتراك أمريكيون، والذي اتخذه منزلًا له ودفن فيه بعد ثماني سنوات من ذلك. “يشتعل قلبي شوقًا إلى وطني، لكن الحرية أيضًا مهمة للغاية”.
في تركيا، تعرضت حركة كولن — المعروفة أحيانًا باسم “حركة الخدمة” — إلى حملة قمع واسعة، حيث اعتقلت الحكومة عشرات الآلاف من الأشخاص بتهمة الارتباط بمحاولة الانقلاب، وأقالت أكثر من 130,000 من المشتبه بهم من وظائف الخدمة المدنية وأكثر من 23,000 من الجيش، وأغلقت مئات الشركات والمدارس ووسائل الإعلام المرتبطة بكولن.
وردت الحكومة التركية على خبر وفاته هذا الأسبوع بتعهدها بمواصلة الضغط على حركة كولن. وقال أردوغان إن كولن توفي “ميتة غير مشرّفة”، واصفًا إياه بأنه “شيطان في هيئة بشر”. وتعهّد بتصفية الحركة بشكل كامل.
لم يُتهم كولن بأي جريمة في الولايات المتحدة، ورفضت الحكومات الأمريكية مطالب تركيا بتسليمه. وقد أدان رجل الدين الإرهاب وكذلك مدبري الانقلاب.
مصطفى يلماز، البالغ من العمر 46 عامًا، درّس الكيمياء في مدارس تابعة لحركة كولن في الخارج وتركيا حتى عام 2016، عندما هرب من بلده وسط حملة أردوغان وحصل على اللجوء في كندا.
سافر يلماز، الذي يعيش في تورونتو، إلى نيوجيرسي لحضور جنازة كولن، ووصفه بأنه “مهمة هامة لي أن أكون هنا”.
وأضاف قائلا: “سنواصل دائمًا اتباع ما تركه لنا”.