رأى محلل تركي أن مخاوف الصين بشأن اقتصاد تركيا وموقف أنقرة من معاملة بكين للأويغور، بالإضافة إلى معارضة الهند لعلاقات تركيا مع باكستان، أعاقت حصول تركيا على العضوية الكاملة في مجموعة بريكس.
في مقطع فيديو حديث على يوتيوب، قام المحلل التركي المتخصص في الشؤون الروسية الدكتور كيريم هاس بتحليل أسباب فشل مساعي تركيا للانضمام إلى مجموعة بريكس، وناقش مستقبل العلاقات بين تركيا وروسيا ولقاءً حديثاً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
توقعات تركيا للانضمام الكامل إلى مجموعة بريكس لم تتحقق في القمة التي عقدت في قازان بروسيا في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر، حيث تم منحها بدلاً من ذلك وضع “دولة شريكة” إلى جانب ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند و13 دولة أخرى.
أسباب الفشل في تحقيق العضوية
حدد د. هاس ثلاثة أسباب رئيسية تقف وراء فشل محاولات تركيا للانضمام إلى مجموعة بريكس.
أولاً، لا تزال مجموعة بريكس تعمل على دمج أعضائها الأربعة الجدد – إيران والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا – التي انضمت في أوائل عام 2024.
ثانياً، لدى الصين تحفظات حول تركيا بسبب قضية الأويغور ومخاوفها بشأن الاقتصاد التركي. إذ ترى الصين أن تركيا قد تكون عبئاً محتملاً على بنك التنمية التابع لبريكس، لكنها تراها أيضاً كأصل استراتيجي محتمل ضمن مبادرة الحزام والطريق، مما يظهر نهجاً حذراً يوازن بين المصالح الاقتصادية والجيوسياسية.
أما العامل الثالث والأكثر أهمية وفقاً للمحلل التركي، فهو معارضة الهند، ويرجع ذلك أساساً إلى التحالف التاريخي لتركيا مع باكستان وتنافسها الأخير على إمداد أرمينيا بالسلاح في جنوب القوقاز. تؤثر الديناميكيات المعقدة في المنطقة، بما في ذلك المصالح الاستراتيجية للهند مقابل باكستان والصين، على تردد الهند في دعم عضوية تركيا في مجموعة بريكس.
تغيرات في ديناميكيات العلاقة
وفقاً لكريم هاس، كانت العلاقات بين تركيا وروسيا تعمل سابقاً على نموذج غير متوازن تستفيد منه روسيا إلى حد كبير حتى الحرب في أوكرانيا التي غيرت التوازن. فقد بدأ هذا الاختلال، الذي كان واضحاً في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، بالتغير بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
على وجه الخصوص، أدى اعتماد روسيا على تركيا كنقطة “عبور” للتحايل على العقوبات الغربية إلى تعزيز نفوذ تركيا، حسب ما أفاد به د. هاس.
وذكر هاس على سبيل المثال أن شحنات الوقود الروسية كانت يعاد توجيهها من خلال تركيا قبل وصولها إلى أوروبا، مما سمح لروسيا بالحفاظ على مبيعاتها من الطاقة رغم العقوبات.
ومع ذلك، أشار هاس إلى أن تركيا لم تستفد بالكامل من هذه الميزة، وفقدت فرصاً لتعزيز قوتها التفاوضية وتقوية علاقاتها الاقتصادية.
العلاقات التركية-الروسية
لفت هاس إلى ثلاث قضايا أساسية تؤثر على العلاقات بين تركيا وروسيا.
أولاً، انخفاض حجم التجارة، جزئياً بسبب مشاركة تركيا في بعض العقوبات التي فرضتها مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي على روسيا. انخفضت التجارة بين البلدين من 68-70 مليار دولار في عام 2022 إلى 55.4 مليار دولار في عام 2023.
ذكرت صحيفة فايننشال تايمز هذا الأسبوع أن تركيا قامت بحظر تصدير حوالي 40 فئة من التكنولوجيا العسكرية الأمريكية إلى روسيا، بما في ذلك العناصر التي تستخدم في الأغراض المدنية والعسكرية.
ثانياً، توجد خلافات حول مشروع مركز الغاز.
بعد تلف خط أنابيب “نورد ستريم” في عام 2022، اقترح بوتين إنشاء مركز جديد، لكن النقاشات تركز الآن على منصة تداول إلكترونية بدلاً من موقع تخزين غاز مادي. تخشى أوروبا والولايات المتحدة أن يسمح المركز لروسيا بتجاوز العقوبات الغربية على الطاقة.
في حين انخفضت واردات الغاز الروسي إلى تركيا من 30 مليار متر مكعب إلى 20.5 مليار متر مكعب، وقعت تركيا مؤخراً اتفاقيات للغاز الطبيعي المسال مع شركات إكسون موبيل وشل وتوتال. يقلل خط أنابيب “ترك ستريم”، وهو مسار رئيسي للغاز الروسي إلى جنوب شرق أوروبا بسعة 31.5 مليار متر مكعب سنوياً، من الحاجة إلى إنشاء مركز طاقة جديد في ظل الظروف الحالية.
ثالثاً، زيادة الدعم العسكري التركي لأوكرانيا. نوه هاس بأن بوتين منزعج من تزويد تركيا لأوكرانيا بمركبات كيربي (Kirpi) المدرعة والذخيرة التي تم استخدامها في الأراضي الروسية، خاصة في منطقة كورسك. يؤدي استهداف الأسلحة التركية لمواقع روسية خارج حدود أوكرانيا إلى تكثيف التحديات التي تواجه تركيا في تحقيق توازن بين حلفائها في الناتو وروسيا.
اجتماع بوتين-أردوغان
لم يحدث الاجتماع الثنائي المرتقب بين بوتين وأردوغان كما هو مخطط له في القمة. وبدلاً من الاجتماع الفردي، عقدا اجتماعاً استمر 50 دقيقة مع الوفود، مما يعكس التوترات الحالية بين الجانبين.
خلال الاجتماع، أعلن الطرفان عن اعتزامهما على افتتاح محطة “أكويو” للطاقة النووية في عام 2025 وزيادة عدد السياح الروس القادمين إلى تركيا بنسبة 21 بالمائة في عام 2023 إلى 6.3 مليون مقارنة بالعام السابق، مما يدعم قطاع السياحة التركي. وأوضح هاس أن تأجيل زيارة بوتين المتكرر لتركيا يعود بشكل رئيسي إلى الخلافات حول مشروع مركز الغاز.
توقع هاس بأن التطورات في سوريا ستؤثر على العلاقات التركية الروسية في المستقبل. من الممكن أن يؤدي النفوذ المتزايد لتركيا في شمال سوريا، بما في ذلك تطبيعها مع المجموعات الكردية، إلى مزيد من الاحتكاك مع موسكو، مما قد يؤثر على توازن القوى الإقليمي. ونتيجة لذلك، يتوقع هاس استمرار هشاشة العلاقات بين تركيا وروسيا.”