أعلن رئيس المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون في تركيا، أبوبكر شاهين، أن الهيئة ستتخذ إجراءات قانونية ضد قنوات يوتيوب التي تُجري مقابلات الشارع، متهماً إياها بـ”توجيه الرأي العام نحو التشاؤم” و”التلاعب المتعمد بالمجتمع“.
وفي منشور له على منصة إكس، قال شاهين إن فرق المراقبة التابعة للهيئة رصدت ما وصفه بـ”بثٍّ ممنهجٍ” يهدف إلى خلق انطباع بأن “كل شيء يسير على نحو خاطئ”، مؤكداً أن المجلس “لن يسمح” بأي محتوى يُسيء إلى صورة البلاد أو يدفع المواطنين إلى الإحباط، وأنه سيستخدم كل صلاحياته القانونية لمواجهة هذه الظاهرة.
توسّع صلاحيات المجلس وتضييق الخناق على الإعلام الرقمي
يُعدّ المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون في تركيا سلطةً إدارية تُشرف على البث السمعي والبصري، وقد توسعت صلاحياته في السنوات الأخيرة لتشمل المحتوى المرئي عبر الإنترنت، بما في ذلك منصات مثل يوتيوب.
ومنذ عام 2024، باتت المؤسسات المنتجة للأخبار عبر الإنترنت مطالَبة بالحصول على تراخيص رسمية من المجلس والالتزام بمعايير البث التقليدي، وهو ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حرية الصحافة التي اعتبرت أن هذه الخطوة تُقيد الصحافة الرقمية المستقلة وتحدّ من حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني.
مقابلات الشارع: صوت الناس خارج القنوات الرسمية
تُعدّ مقابلات الشارع على يوتيوب من أبرز مظاهر الإعلام الشعبي في تركيا، حيث ينقل الصحفيون المستقلون آراء المواطنين العفوية حول السياسة والاقتصاد وأوضاع المعيشة.
وقد تحوّلت هذه المقاطع إلى نافذة تعكس واقع الشارع التركي بعيداً عن الخطاب الحكومي الموجَّه، مما جعلها هدفاً متكرراً للرقابة. فبينما يرى الجمهور فيها تعبيراً صادقاً عن هموم الناس، تعتبرها السلطات “مصدر تشويه للواقع” أو “تحريضاً على التشاؤم”، وفق توصيفها الرسمي.
انتقادات متصاعدة: “محاولة لإسكات الرأي العام“
يرى مراقبون أن حملة المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون الأخيرة تأتي ضمن سياق أوسع من التضييق على الأصوات المستقلة، في ظلّ هيمنة الحكومة على المشهد الإعلامي منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.
فقد أغلقت السلطات بعد تلك الأحداث مئات وسائل الإعلام، وسُجن عشرات الصحفيين تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب” أو “الدعاية الانقلابية”، بينما واجه الباقون تهديدات مستمرة بالفصل والملاحقة القضائية حتى على خلفية انتقادات محدودة للسلطة.
ويؤكد منتقدو الحكومة أن هذه الإجراءات لا تستهدف فقط المحتوى الصحفي، بل تسعى إلى السيطرة الكاملة على المجال العام، بما في ذلك الفضاء الرقمي الذي بات الملاذ الأخير للأصوات الناقدة.
تركيا في مؤشرات حرية الصحافة: وضع مقلق مستمر
تواصل تركيا احتلال مراتب متدنية في مؤشرات حرية الصحافة العالمية، إذ تأتي في المراتب الأخيرة بين دول العالم، ما يعكس استمرار تراجع البيئة الإعلامية وازدياد الضغوط على المؤسسات والصحفيين.
وتشير منظمات دولية إلى أن الرقابة لم تعد تقتصر على القنوات التلفزيونية والصحف، بل امتدت إلى منصات التواصل الاجتماعي، في محاولة لإعادة إنتاج السيطرة الإعلامية التقليدية داخل الفضاء الرقمي.

