شهدت العاصمة التركية أنقرة احتجاجًا مشتركًا نظمته ستة أحزاب معارضة أمام مقر وزارة الداخلية، تنديدًا بسياسة تعيين أوصياء حكوميين لإدارة البلديات التي فاز بها مرشحو المعارضة، وذلك وفقًا لما أفادت به وكالة “ميزوبوتاميا” الموالية للأكراد.
شارك في الاحتجاج عدد من الشخصيات البارزة من الأحزاب المعارضة، من بينهم مراد أمير، نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري (CHP)، وغوليستان كيلتش كوتشيت، نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المساواة والديمقراطية للشعوب (DEM)، والنائبة سيفدا كاراجا دمير عن حزب العمال، وبولنت كايا، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “الطريق الجديد”، الذي تأسس مؤخرًا بعد اندماج ثلاثة أحزاب معارضة تتمثل في حزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA)، وحزب السعادة.
وفي تصريحاتهم، أدان قادة الأحزاب المعارِضة بشدة تعيين أوصياء حكوميين بدلاً من رؤساء البلديات المنتخبين، معتبرين هذه الإجراءات انتهاكًا صارخًا للديمقراطية والإرادة الشعبية. وقالت كوتشيت إن حزب العدالة والتنمية الحاكم “يقضي على جميع الحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك حق الانتخاب والترشح والتمثيل”، محذرة من أن هذه السياسات تأتي في سياق استعداد الحزب للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة عام 2028.
من جانبه، أكد أمير أن الهدف من هذا الاحتجاج هو “الدفاع عن الديمقراطية وصوت الشعب”، فيما شددت دمير على ضرورة “إيجاد آليات تمكّن المواطنين من إسماع صوتهم والمقاومة دون خوف أو ترهيب”.
وفي ختام المؤتمر الصحفي، وضع المحتجون إكليلًا أسود أمام مبنى الوزارة كرمز لاعتراضهم على هذه الممارسات.
تصاعد الأزمة بعد إقالة رئيسة بلدية سعرد
جاء هذا التصعيد بعد أن أصدرت وزارة الداخلية، يوم الأربعاء، قرارًا بعزل صوفيا ألاغاش، رئيسة بلدية سعرد المنتخبة والمنتمية إلى الحزب الكردي، وتعيين وصي حكومي بدلاً منها. وتم اتخاذ هذا القرار عقب صدور حكم بسجنها لأكثر من ست سنوات بتهمة “الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني ” المحظور، وذلك استنادًا إلى أنشطتها السابقة كصحفية.
يُذكر أن حزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا وحلفائها الغربيين، يخوض صراعًا مسلحًا ضد الدولة التركية منذ عام 1984، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص.
وأثار القرار موجة استنكار دولية، حيث وصف المقرر الخاص بالبرلمان الأوروبي لشؤون تركيا، ناتشو سانشيز أمور، هذه الإجراءات بأنها “قائمة مخزية من رؤساء البلديات الذين جُردوا من تفويضهم الديمقراطي على يد الحكومة التركية”. وأضاف أن “10 رؤساء بلديات حتى الآن تم استبدالهم بأوصياء منذ انتخابات 31 مارس المحلية، مما يعني أن أكثر من 680 ألف صوت انتخابي قد تم تجاهلها”.
تقرير يكشف حجم القمع ضد المحتجين
في سياق متصل، كشف تقرير أعدته جمعية محامي الحرية (ÖHD) عن قمع واسع النطاق للمتظاهرين الذين خرجوا احتجاجًا على عزل رؤساء البلديات منذ الانتخابات المحلية الأخيرة. وأفاد التقرير بأن السلطات التركية اعتقلت 407 أشخاص، وتم سجن 102 منهم، بينما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، وخراطيم المياه، والأصفاد لتفريق المتظاهرين في المدن التي تم فيها تعيين أوصياء.
وأوضح التقرير أن تسعة رؤساء بلديات تم عزلهم في مناطق تضم 1,777,120 ناخبًا، من بينها مدن ماردين، وباطمان، وتونجلي، وحكاري، بالإضافة إلى مناطق إسنيورت في إسطنبول، وحلفتي في شانلي أورفا، وباهشسراي في وان، وأكدينيز في مرسين.
سياسة تعيين الأوصياء: جذورها القانونية وآثارها
تستند الحكومة التركية في إجراءاتها هذه إلى قانون صدر عام 2016، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، يمنحها صلاحية عزل رؤساء البلديات والمجالس البلدية الذين يخضعون لتحقيقات تتعلق بالإرهاب، مستندة إلى اعتبارات الأمن القومي. ومنذ ذلك الحين، تم تعيين أوصياء حكوميين في 101 بلدية، معظمها تحت إدارة حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الذي كان الحزب الكردي الرئيسي آنذاك، كما تم عزل 151 عضوًا من المجالس البلدية.
وفي الانتخابات المحلية لعام 2019، لم يبقَ سوى ست بلديات فقط من أصل 65 فاز بها حزب الشعوب الديمقراطي دون أن يتم تعيين أوصياء عليها، بينما شهدت مدن رئيسية ذات غالبية كردية، مثل ديار بكر وفان وماردين، استبدال رؤسائها المنتخبين بأوصياء حكوميين، بدعوى ارتباطهم بالإرهاب.
وتواجه هذه الممارسات انتقادات واسعة من منظمات حقوقية، حيث تُعتبر مساسًا بالديمقراطية وتجاهلًا لإرادة الناخبين.
اعتقال نائبة سابقة وسط تصاعد القمع
على صعيد آخر، أفادت وكالة “ميزوبوتاميا” يوم الخميس باعتقال البرلمانية السابقة عن الحزب الكردي، درسيم داغ، في مطار صبيحة غوكتشن بإسطنبول، دون تقديم أي تفاصيل عن أسباب توقيفها، مما يزيد من حدة المخاوف بشأن استمرار حملة القمع السياسي في البلاد.