أثار قرار محكمة التمييز الجنائية الثالثة في تركيا بالإفراج عن ستة من عناصر تنظيم “داعش”، المتورطين في هجوم مطار أتاتورك الذي أودى بحياة 45 شخصًا، موجة واسعة من الجدل والغضب.
يذكر أن المدانين المذكورين كانوا قد تلقوا أحكامًا مشددة بلغت 46 حكمًا بالسجن المؤبد المشدد لكل منهم، إضافة إلى 2604 سنوات سجن، إلا أن المحكمة بررت قرارها بالإفراج عنهم بوجود “خطأ في تقدير العقوبة” وضرورة إصدار أحكام أكثر “إنصافًا”.
الهجوم المروّع وقرارات الإفراج
في 28 يونيو 2016، نفذ تنظيم “داعش” هجومًا إرهابيًا استهدف مطار أتاتورك في إسطنبول، ما أسفر عن مقتل 45 شخصًا وجرح العشرات. بعد سنوات من المحاكمات، صدر بحق ستة من عناصر التنظيم المدانين في الهجوم 46 حكمًا بالسجن المؤبد المشدد لكل منهم.
ومع ذلك، أصدرت محكمة التمييز الجنائية الثالثة يوم الخميس، 12 ديسمبر، قرارًا بإطلاق سراحهم، مشيرة إلى وجود “تقصير في تسبيب العقوبات” و”خطأ في تحديد درجة التشديد”، القرار الذي أثار استياءً واسعًا في تركيا، واعتبره كثيرون فضيحة قانونية غير مسبوقة.
ردود فعل سياسية غاضبة
في جلسة مناقشة ميزانية الإدارة المركزية لعام 2025 بالبرلمان التركي، انتقد نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، مراد أمير، القرار بشدة، واصفًا إياه بـ”الفضيحة القانونية”، متسائلا: “ما هي الجهة” التي أصدرت تعليماتها لمحكمة التمييز باتخاذ هذا القرار يا ترى”.
وقال في كلمته أيضًا: “هذا القرار، إذا كان صحيحًا، يعد فضيحة قانونية كبرى. كيف يمكن الإفراج عن إرهابيين قتلوا 45 مواطنًا بدم بارد وأمام الكاميرات؟ هؤلاء المدانون حُكم عليهم بـ46 حكمًا بالسجن المؤبد المشدد، ومع ذلك أُطلق سراحهم وكأنهم لم يرتكبوا شيئًا. كيف يمكن تفسير ذلك؟”
هل ضغوط من “الجولاني”؟
كما أشار أمير إلى تساؤلات حول علاقة القرار بالمفاوضات الجارية مع هيئة تحرير الشام وتنظيمات أخرى مشابهة، مضيفًا: “هل هناك علاقة بين هذا القرار وتفاهمات سياسية مع جهات إقليمية أو تنظيمات إرهابية كهيئة تحرير الشام؟ نطالب بتفسير فوري لهذه الخطوة المريبة، التي تبدو وكأنها تساهل مع تنظيمات مثل النصرة والقاعدة وداعش”.
يشار إلى أن رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالين كان أجرى زيارة إلى دمشق عقب الإطاحة بالأسد، وأخذ جولة في المدينة بسيارة كان زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، في قيادتها.
غياب وزير العدل ومتابعة الحكومة
وفي حين تابع وزير الزراعة والغابات، إبراهيم يوماقلي، كلمة أمير في الجلسة، لوحظ غياب وزير العدل، يلماظ تونتش، الذي كان قد غادر البرلمان قبل إثارة الموضوع، علمًا أنه لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة حول القرار حتى الآن، مما زاد من حدة الانتقادات والشكوك.
إرث المأساة والذاكرة الجماعية
الهجوم على مطار أتاتورك لا يزال محفورًا في ذاكرة الأتراك كواحد من أكثر الأحداث دموية في تاريخ البلاد. قرار الإفراج عن المدانين، في وقت لا تزال فيه عائلات الضحايا تعاني من آثار الفاجعة، يُنظر إليه على أنه خيانة لذكرى الضحايا واستفزاز للمجتمع التركي بأسره، خاصة في ظل اعتقالات جماعية بتهمة الإرهاب تطال نساء ورجالا وفتيات قاصرات في إطار قضايا تخص حركة الخدمة.
مطالبات بالشفافية والمحاسبة
طالب نواب المعارضة والرأي العام بتفسير عاجل وشفاف حول خلفيات هذا القرار وأسبابه الحقيقية، معتبرين أن الإفراج عن مدانين بجرائم إرهابية بهذا الحجم يهدد مصداقية القضاء التركي ويثير تساؤلات خطيرة حول تأثير السياسة على سير العدالة.
وترى المعارضة التركية أن قرار المحكمة، سواء كان نتيجة خطأ قضائي بحت أو ضغوط سياسية أو صفقات خلف الكواليس، يعكس أزمة ثقة متزايدة في منظومة العدالة، ويضع المسؤولين أمام اختبار حقيقي لتبرير قراراتهم أمام الرأي العام.