قررت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة (CAT) أن قرار السويد بترحيل مواطن تركي مرتبط بحركة “الخدمة” إلى كوسوفو سيشكل انتهاكًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، مشيرة إلى خطر نقله القسري إلى تركيا واحتمال تعرضه للتعذيب.
منذ عام 2013، حيث طفت فضائح الفساد والرشوة لبلال أردوغان وأبناء أربعة وزراء في الحكومة التركية إلى السطح، حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعلان حركة الخدمة تنظيما إرهابيا، متهمًا إياها بتوظيف تلك الفضائح في الإطاحة بحكومته، لكنه لم يتمكن من ذلك إلا بعد وقوع ما سمي بـ”الانقلاب الفاشل” في 2016، إذ اتهمها بالوقوف وراء هذا التحرك، وشرع في تضييق الخناق على كل من له أدنى صلة بها، في الداخل والخارج، مما أسفر عن مقتل عديد منهم، واعتقال عشرات الآلاف رجالا ونساء شيوخًا وشبابًا، واختطاف قسم منهم من خارج البلاد.
في حين نفت الحركة أي علاقة لها بمحاولة الانقلاب، ودعت أردوغان لتشكيل لجنة دولية لتقصي حقائق ما حدث في ليلة “الانقلاب الفاشل”، إلا أن الأخير لم يستجب لهذه الدعوة حتى اليوم. واعتبرت الحركة أحداث ليلة الانقلاب من قَبيل عمليات “الراية المزيفة” (flag false) يقف وراءها أردوغان نفسه لينجح في وصم الحركة بالإرهابية بعد أن فشل في ذلك، وتصفية الجنرالات المعارضين لمشاريعه العسكرية في سوريا وعموم المنطقة، بحسب رأيها.
يذكر أن مصطلح “الراية المزيفة” يُستخدم لوصف عمليات سرية تُنفذها جهة معينة بحيث يتم إخفاء الهوية الحقيقية للمنفذين وتوجيه التهمة لمجموعة أو دولة أخرى، بهدف خلق انطباع بأن الطرف الذي تم اتهامه زورًا هو من قام بالعمل، وذلك لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية أو استخباراتية. تُستخدم هذه الاستراتيجية في الغالب للتأثير على الرأي العام أو لتبرير أفعال وعمليات معينة لا يسمح لها الدستور والقوانين ولا يسوغها الجمهور في العادة.
لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة أكدت أن خطط السويد لترحيل المواطن التركي “س.ت.”، البالغ من العمر 29 عامًا، إلى كوسوفو تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، نظرًا لخطر نقله إلى تركيا حيث قد يتعرض للتعذيب. وجاء قرار اللجنة في 8 نوفمبر، مشيرة إلى أن ترحيل “س.ت.” سيخالف المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر ترحيل الأفراد إلى دول يواجهون فيها خطرًا حقيقيًا بالتعرض للتعذيب.
“س.ت.” فرّ من تركيا بعد اتهامه بالارتباط بحركة “الخدمة”، والتي تصنفها الحكومة التركية كمنظمة إرهابية، لتستقر في كوسوفو عام 2016، حيث عمل كمدرس للغة الإنجليزية في مؤسسات تابعة للحركة.
ومع ذلك، وبعد اختطاف وترحيل ستة أشخاص مرتبطين بـ”الخدمة” من كوسوفو إلى تركيا في عام 2018، فرّ “س.ت.” إلى السويد طلبًا للجوء، لكن السلطات السويدية رفضت طلبه عام 2021، معتبرة كوسوفو بلدًا ثالثًا آمنًا، وقررت ترحيله إليها.
وأشارت اللجنة إلى الخطر المستمر الذي يواجهه أفراد مرتبطون بحركة “الخدمة” في كوسوفو، مستندة إلى وثائق تثبت قيام تركيا بعمليات اختطاف خارج إطار القانون بالتنسيق مع السلطات المحلية. ورغم إدانة حكومة كوسوفو لعمليات الترحيل في 2018 وتنفيذها إصلاحات لضمان عدم إعادة الأفراد إلى دول قد يتعرضون فيها للأذى، إلا أن النفوذ التركي في البلاد لا يزال قويًا، مما يثير مخاوف بشأن حالات مثل “س.ت.”.
وقالت اللجنة: “إن المخاطر ليست بعيدة ولا افتراضية”، مشيرة إلى استمرار تركيا في ملاحقة أعضاء “الخدمة” في الخارج واستخدامها الموثق للتعذيب ضد المعتقلين. وأكدت التقارير الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية انتشار ثقافة الإفلات من العقاب في تركيا، حيث لا تزال حالات الاختفاء القسري والتعذيب والاعتقال التعسفي قائمة.
وأضافت اللجنة أن كوسوفو، التي ليست طرفًا في اتفاقية مناهضة التعذيب أو غيرها من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، تفتقر إلى ضمانات قانونية كافية لمنع إعادة الأفراد إلى دول قد يواجهون فيها ضررًا جسيمًا أو اضطهادًا، مشيرة إلى أن انتهاء تصريح إقامة “س.ت.” في كوسوفو يضعف حمايته القانونية.
وعلى الرغم من أن السلطات السويدية جادلت بأن “س.ت.” لم يواجه تهديدًا مباشرًا أثناء إقامته في كوسوفو ويمكنه التقدم بطلب لجوء هناك، إلا أن اللجنة رفضت هذا الادعاء، مشيرة إلى عمليات الاختطاف التي وقعت عام 2018 وسجل كوسوفو في الاستجابة للمطالب التركية.
واختتمت اللجنة بأن ترحيل “س.ت.” إلى كوسوفو سيؤدي بشكل متوقع إلى نقله إلى تركيا، حيث يواجه خطرًا عاليًا بالتعرض للتعذيب. وأمرت السويد بوقف ترحيل “س.ت.” وتقديم رد خلال 90 يومًا يوضح التدابير المتخذة للامتثال للقرار.
من جهته، رحب المحامي علي يلديز، ممثل “س.ت.”، بقرار اللجنة، واصفًا إياه بأنه “تأكيد حيوي على الحماية الدولية للأفراد المستهدفين من قبل الأنظمة القمعية”.
تُذكِّر المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب الدول الأطراف بعدم ترحيل أي شخص إلى دولة قد يواجه فيها خطر التعذيب، بما في ذلك الترحيلات غير المباشرة إلى دول ثالثة. ويؤكد قرار اللجنة التزامها بمبدأ الحماية للأفراد الضعفاء من المخاطر المحتملة.
ورغم عديد من الأحكام الصادرة من المحاكم الدولية، تستمر السلطات التركية في تنفيذ اعتقالات وملاحقات جماعية يوميا ضد المتعاطفين مع حركة الخدمة في تركيا وخارجها.