في مشهد يعكس تصاعد القلق الأوروبي إزاء أوضاع الديمقراطية في تركيا، مُنع وفد من رؤساء بلديات أوروبيين من زيارة رئيس بلدية إسطنبول المعتقل أكرم إمام أوغلو في سجن مرمرة، لكنهم شددوا على تضامنهم معه، مؤكدين أنه “ليس وحده“.
وفد أوروبي واسع يزور إسطنبول
الوفد ضم رؤساء بلديات أثينا وبرشلونة وبودابست وصوفيا وتيميشوارا وأوتريخت وزغرب، إضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من باريس ومدريد، وجاءت الزيارة بتنظيم من شبكة يوروسيتيز التي تمثل أكثر من مئتي مدينة في 38 دولة.
الوفد بدأ جولته من مبنى بلدية إسطنبول، قبل أن يتوجه إلى سجن مرمرة في ضواحي المدينة حيث يُحتجز إمام أوغلو منذ اعتقاله في آذار الماضي بتهم فساد مثيرة للجدل، اعتبرتها المعارضة والعديد من المراقبين ذات دوافع سياسية.
رفض رسمي وتصعيد في النبرة الأوروبية
وزارة العدل التركية رفضت طلب الوفد لزيارة إمام أوغلو، بحسب القائم بأعمال رئيس بلدية إسطنبول نوري أصلان الذي رافقهم. ورغم المنع، ألقى الوفد بياناً أمام السجن شدد فيه على دعم الديمقراطية في تركيا.
رئيس بلدية برشلونة جاوما كولبوني، نائب رئيس شبكة يوروسيتيز، أكد أن “رؤساء البلديات الأوروبيين يقفون صفاً واحداً من أجل الحرية والديمقراطية وسيادة القانون”. أما رئيسة بلدية أوتريخت شارون ديكسما، فأشارت إلى الأبعاد الإنسانية للقضية، قائلة إن “السجن لم يزج فقط بعمدة ناجح، بل بزوج وأب”، مطالبة بإطلاق سراحه فوراً. فيما وصف رئيس بلدية زغرب توميسلاف توماشيفيتش إمام أوغلو بأنه “أحد أكثر رؤساء البلديات احتراماً في أوروبا”، مؤكداً قناعته ببراءته.
جائزة أوروبية ورسالة من خلف القضبان
في مقر البلدية، قدّم الوفد الأوروبي جائزة خاصة للديمقراطية لإمام أوغلو، تسلّمتها نيابة عنه زوجته ديلك إمام أوغلو. ونقلت رسالة منه شكر فيها الأوروبيين على الدعم، مؤكداً أن الجائزة “ملك لجميع المواطنين الذين يقاومون الضغوط السلطوية في تركيا وخارجها“.
وفي رسالته أضاف: “نعيش في زمن تحولت فيه العدالة إلى سلاح، لكن عزيمتي لم تهتز. حتى خلف القضبان أواصل الكفاح من أجل الديمقراطية”. كما أعرب عبر حسابه على منصة “إكس” عن “امتنانه العميق” للوفد، مؤكداً أن تضامنهم “يعزز النضال من أجل مستقبل ديمقراطي لتركيا“.
حملة اعتقالات تطال المعارضة
تأتي الزيارة الأوروبية في وقت تشهد فيه تركيا حملة أمنية متصاعدة ضد حزب الشعب الجمهوري. فمنذ آذار، تم اعتقال أو توقيف أكثر من خمسمئة شخص على صلة بالحزب أو ببلدية إسطنبول، وفق وكالة الأنباء الفرنسية. كما تم اعتقال 17 رئيس بلدية معارض، بينهم إمام أوغلو، وتعيين أوصياء حكوميين على ثلاث بلديات على الأقل.المعارضة ترى أن هذه الإجراءات تهدف إلى تحييد المنتخبين المحليين وإقصاء قيادات المعارضة بعد فوز الحزب بانتخابات البلديات في آذار 2024، فيما تقول السلطات إن القضايا تتعلق بجرائم فساد وتنظيمات إجرامية.
قضايا وأحكام معلقة
إمام أوغلو، المرشح الرئاسي المحتمل عن حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 2028، يواجه عدة قضايا قضائية وأدين في اثنتين منها، بينها قضية “إهانة مدعٍ عام”. إلا أن الأحكام ما تزال قيد الاستئناف، والمعارضة تعتبرها محاولة لإبعاده عن المنافسة السياسية. من جانبها، عبّرت منظمات حقوقية دولية ونواب أوروبيون عن قلقهم من تآكل سيادة القانون في تركيا، محذرين من أن الاعتقالات الجماعية قد تُعمّق الانحدار الديمقراطي.
احتجاجات داخلية متصاعدة
بالتوازي، واصل حزب الشعب الجمهوري تنظيم مظاهرات تحت شعار “الدفاع عن الإرادة الوطنية“، حيث شهدت منطقة بي أوغلو في إسطنبول التجمع الخمسين من هذه السلسلة الاحتجاجية.
جاءت المظاهرة بعد أقل من أسبوعين من اعتقال رئيس بلدية بي أوغلو إنان غوناي و16 آخرين بتهم “الاحتيال والانتماء لتنظيم إجرامي”. الحزب وصف القضية بأنها سياسية بامتياز، خاصة أن غوناي فاز بالبلدية في انتخابات 2024 منهياً سنوات من سيطرة حزب العدالة والتنمية.
السلطات أزالت صورة كبيرة لغوناي مع عائلته عن مبنى البلدية قبيل المظاهرة، لكن أنصار الحزب أعادوها مكانها أثناء الفعالية. وخاطب زعيم الحزب أوزجور أوزيل الحشد قائلاً: “إنان غوناي شرفنا، وسنقف بجانبه حتى النهاية”، مضيفاً أن “عشرة ملايين مواطن شاركوا في 49 فعالية سابقة، وسنواصل نضالنا من أجل إمام أوغلو وجميع رفاقنا“.
خطاب سياسي معارض
في خطابه، صعّد أوزيل من لهجته ضد الحكومة، متهماً إياها بفرض “نظام مظلم” أدى إلى جعل تركيا صاحبة أعلى أسعار معيشة في أوروبا، حيث يعاني المواطنون من ارتفاع تكاليف الحياة، من أسعار اللحوم إلى خدمات الإنترنت. وتعهد بأن يقدم الحزب بديلاً يتمثل في “تركيا بلا محظورات، وأوروبا بلا تأشيرة، وأسرع وأرخص إنترنت للشباب“.

