شهدت الساحة السياسية التركية تصعيدًا لافتًا عقب اعتقال ثلاثة من رؤساء البلديات المنتمين لحزب الشعب الجمهوري، ما دفع زعيم الحزب، أوزجور أوزيل، إلى توجيه خطاب ناري وصف فيه ما يحدث بأنه “إعلان حرب على الديمقراطية”، محذرًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من “اختبار صبر الشعب“.
الاعتقالات… بداية شرارة المواجهة
جاءت الاعتقالات التي طالت كلًّا من زيدان كارالار (رئيس بلدية أضنة الكبرى)، ومحمد بوجك (رئيس بلدية أنطاليا الكبرى)، وعبد الرحمن توتديره (رئيس بلدية أديامان)، لتفجّر موجة غضب عارمة داخل حزب الشعب الجمهوري الذي رأى في هذه الإجراءات محاولة ممنهجة لإسكات إرادة الناخبين وتقويض سلطة البلديات المنتخبة ديمقراطيًا.
وبعيدًا عن الملفات القانونية، استندت السلطات، بحسب أوزيل، إلى شهادات قدمها عزيز إحسان أكتاش، وهو شخصية متهمة بقيادة شبكة فساد، وقد سبق له -وفقًا لما كشفه أوزيل– أن منح سيارة فاخرة لرئيس بلدية إسبارطة التابع لحزب العدالة والتنمية مقابل منحه عقودًا، في دلالة على ازدواجية المعايير القضائية تجاه الأحزاب المختلفة.
أوزجور أوزيل: خطاب تصعيدي وتحذير من الغليان الشعبي
في تصريحات حادة أعقبت اجتماعًا طارئًا للقيادة المركزية لحزب الشعب الجمهوري استمر لأكثر من أربع ساعات، قال أوزيل: “لا تدفعونا إلى الشارع… فالشعب حين يغضب لن يُرَدّ”. وأضاف: “نحن لا نهدد بالعنف، لكننا نحذر من انتزاع إرادة الشعب، لأن الشارع يعرف كيف يستعيد صوته المسلوب“.
أوزيل لم يكتف بالتنديد، بل اتهم السلطات الحاكمة بالسعي لإلغاء الانتخابات، وفرض حكم استبدادي خالٍ من الصندوق، معتبرًا أن الإجراءات المتخذة منذ 19 مارس الماضي (اعتقال أكرم إمام أوغلو) هي بمثابة “انقلاب ناعم” يستهدف ليس فقط حزبه، بل جوهر النظام الديمقراطي بأسره.
الحرب القضائية والسياسية على البلديات المعارضة
هاجم أوزيل بشدة ما وصفه بـ”تسخير القضاء لأجندة سياسية”، مشيرًا إلى أن الجهات التي تحقق في قضايا الفساد لا تطبق المعايير ذاتها على البلديات التابعة لحزب العدالة والتنمية، رغم وجود دلائل واضحة – بحسبه – على تورط بعضها في معاملات مريبة مع عزيز إحسان أكتاش.
وفي هذا السياق، شدد على أن “الشخص ذاته الذي يتم الاستناد إلى شهادته لاعتقال رؤساء بلديات المعارضة، هو من أهدى سيارة فاخرة لرئيس بلدية إسبارطة، ولم يُفتح بحقه أي تحقيق”، وتساءل مخاطبًا أردوغان: “إذا كان لديك ذرة شرف أو أخلاق سياسية، فاشرح للشعب كيف تسكت عن هذا“.
تعبئة سياسية وتحضيرات للمواجهة
أكد أوزيل أن حزب الشعب الجمهوري في حالة استنفار، مع سلسلة اجتماعات مرتقبة تشمل المجلس الحزبي، ورؤساء الفروع الإقليمية، والنواب، لاتخاذ خطوات تصعيدية دفاعًا عن البلديات المنتخبة.
كما جدّد دعوته إلى تنظيم “فعاليات ديمقراطية سلمية” في الميادين، رافضًا تهديدات السلطة، ومتوعدًا بالتصعيد في حال استمرار استهداف المعارضة. وقال صراحة: “سأدعو الشعب إلى الشارع في اليوم الذي أراه مناسبًا، وحينها لا أحد يستطيع إيقاف المد الشعبي“.
رسالة مباشرة إلى أردوغان
أنهى أوزيل خطابه بتوجيه رسالة مباشرة إلى الرئيس أردوغان، قائلاً: “لن نسمح لك أن تحكم بـ29% من الأصوات. الشعب لم ينتخبك لتتسلّط عليه. هناك من يطبّلون لك، وهناك من يحفرون لك الحفرة ذاتها. لكن تذكّر: فوقك شعب، وما يريده الشعب هو الذي سيكون“.
الخطاب السياسي لأوزجور أوزيل يمثل ذروة جديدة في الصراع المحتدم بين المعارضة والحكومة في تركيا. ويكشف عن توجه جديد في استراتيجية حزب الشعب الجمهوري يقوم على المواجهة المفتوحة، والتعبئة الشعبية، واستثمار الشعور العام بالظلم الانتخابي، مستندًا إلى سردية “مقاومة الاستبداد” واسترداد الإرادة الشعبية.

