في خطوة تعكس تراجعاً تكتيكياً تحت ضغط الرأي العام والمعارضة، أعلن حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم في تركيا سحب مادة مثيرة للجدل من مشروع قانون قُدم إلى البرلمان، كانت تمنح الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحية مباشرة لإقالة ضباط من رتبة ملازم وحتى رتبة عقيد.
الإجراء الذي وُصف بأنه “توسيع مفرط لصلاحيات السلطة التنفيذية” قوبل بانتقادات واسعة، دفعت الحزب إلى التراجع عنه مؤقتاً، دون المساس ببقية بنود المشروع التشريعي.
نص المادة المثيرة للجدل: صلاحيات واسعة بقرار رئاسي مباشر
المادة التي أدرجت في مشروع القانون المقدم إلى البرلمان التركي كانت تنص على منح رئيس الجمهورية صلاحية تغيير مدد الترقية والانتظار في الرتب العسكرية لضباط الجيش في صفوف قوات البر والبحر والجو، وإمكانية إصدار قرارات بإبعاد ضباط من رتبة ملازم وحتى عقيد من الخدمة العسكرية بقرار مباشر من الرئيس، دون الحاجة إلى توصية أو محاكمة عسكرية.
المبرر الرسمي للمادة كان: “الحفاظ على التوازن بين الرتب داخل القوات المسلحة وتفادي تراكم الرتب دون شغل مناسب.”
تفاعل شعبي ومعارضة سياسية حادة
سرعان ما أثار المقترح موجة غضب في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث اعتبرته المعارضة محاولة خطيرة للهيمنة على المؤسسة العسكرية وتقويضاً لمبدأ “القيادة المهنية المحايدة”، ووصفته صحف مستقلة وكتّاب رأي بأنه “انزلاق نحو عسكرة الرئاسة وإفراغ القوات المسلحة من استقلاليتها”.
قرار السحب: خطوة تراجعية تحت الضغط
بحسب ما نشرته صحيفة “جمهوريّت” التركية، اتخذت قيادة حزب العدالة والتنمية قراراً بسحب المادة المثيرة للجدل من مشروع القانون، استجابة للانتقادات المتصاعدة.
يأتي القرار بعد حملة إعلامية ومعارضة سياسية حادة، وقد وصف المراقبون القرار بأنه “تجميد مؤقت” وليس تراجعاً مبدئياً عن محاولة توسيع صلاحيات الرئاسة، إذ لا تزال بقية بنود مشروع القانون قيد النقاش في لجان البرلمان، ما يعني أن الحكومة لم تتراجع عن المشروع ككل.
خلفية تشريعية: محاولة متكررة لتعزيز السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية
هذا التحرك ليس الأول من نوعه، إذ شهدت تركيا في السنوات الأخيرة تقليص نفوذ مجلس الشورى العسكري الأعلى (YAŞ) لصالح قرارات رئاسية مباشرة، وإعادة هيكلة التسلسل القيادي داخل الجيش بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، حيث أصبحت التعيينات والترقيات تخضع لإشراف مباشر من الرئيس. لكن المقترح الأخير كان سيُشكل، بحسب مراقبين، قفزة جديدة نحو إضعاف الضوابط المؤسسية داخل الجيش.
استمرار النقاش البرلماني: المعركة لم تنته بعد
رغم سحب المادة، لا تزال جلسات مناقشة مشروع القانون مستمرة داخل لجان البرلمان التركي، حيث تُناقش مواد أخرى تتعلق بتنظيم شؤون القوات المسلحة، ولا يُستبعد أن يُعاد طرح المادة بصيغة معدّلة لاحقاً، أو أن تُمرر لاحقاً من خلال مرسوم رئاسي، ما دفع المعارضة إلى التحذير من محاولة “إعادة تمريرها بصيغ ملتوية”.

