في حادثة أثارت استياءً واسعاً في تركيا، ألقت السلطات القبض على إبراهيم جونغور، البالغ من العمر 72 عامًا، والذي يعاني من مرض ألزهايمر وعدة أمراض مزمنة، ليقضي عقوبة بالسجن مدتها 8 سنوات وشهرًا واحدًا، بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة.
إبراهيم جونغور، الذي كان يعمل سابقًا مديرًا لشؤون الطلاب في جامعة غَديز (جامعة أُغلقت بمرسوم قانوني بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016)، اعتُقل في 14 ديسمبر 2024. وقد أُدين بتنظيم تجمعات دينية ودعوة أشخاص للمشاركة فيها، إضافة إلى جمع تبرعات للطلاب. ووفقًا لقرار محكمة الجنايات الـ20 في إزمير، استُخدمت ملاحظاته الشخصية، التي تضمنت تفاصيل عن لقاءات دينية وأنشطة مرتبطة بقراءة مؤلفات “رسائل النور” للعلامة بديع الزمان سعيد النورسي ومؤلفات فتح الله كولن الراحل، كأدلة ضده.
الوضع الصحي المأساوي للمعتقل
نُقل جونغور في البداية إلى سجن “بوجا كريكلار”، ثم إلى سجن مَنَمَنْ من النوع (R) المخصص لإعادة التأهيل. ومع ذلك، كشفت عائلته عن تدهور حالته الصحية بشكل كبير منذ اعتقاله، حيث أصبح غير قادر على التعرف حتى على ابنته التي زارته في السجن. ابنته، سويدا جونغور، التي تتابع دراستها الجامعية، عبّرت عن شعورها بالعجز واليأس إزاء الوضع، قائلة: “كان والدي في حالة مزرية أثناء زيارتنا الأخيرة له. لم يتعرف عليّ وظل يتحدث عن أشياء غير واقعية، كأنه كان في المنزل معنا. كيف يمكن لشخص في مثل حالته أن يُحتجز في سجن، بل في زنزانة انفرادية؟”
ظروف السجن والمعاناة اليومية
جونغور يعاني أيضًا من أمراض مزمنة، مثل مرض البروستاتا ومرض السكري، وقد خضع سابقًا لعملية جراحية معقدة بسبب استسقاء الدماغ، حيث تم تركيب صمام طبي في دماغه. هذه الحالة الصحية جعلته غير قادر على تلبية احتياجاته الأساسية دون مساعدة. وأكدت ابنته أن: “والدي لا يستطيع حتى الذهاب إلى الحمام بمفرده، فكيف يمكنه العيش في زنزانة انفرادية؟ ظروف الزنزانة وصفها بأنها قذرة لدرجة لا يمكن أن يعيش فيها حتى الحيوانات”، على حد تعبيرها.
الاحتجاز يفاقم المرض
أوضحت الأسرة أن تكرار نقل جونغور بين السجون وتغيّر البيئات المحيطة به زاد من تدهور حالته النفسية والجسدية، حيث يعاني مرضى ألزهايمر من نوبات حادة عند التعرض لمثل هذه التغيرات المفاجئة. وأشارت ابنته إلى أن: “عدم وجود أشخاص مألوفين حوله، وعدم توفر المساعدة اللازمة في حياته اليومية، تسبب في تدهور حالته بسرعة. نحن نرى والدنا يذبل أمام أعيننا.”
نقاش حول إنسانية العقوبة
عائلة جونغور طالبت بتأجيل تنفيذ العقوبة أو الإفراج عنه لأسباب صحية. ورغم تقديمهم طلبات للإفراج بسبب سوء حالته الصحية، لم يتم الاستجابة لها حتى الآن. وتعليقًا على الوضع، قالت سويدا: “والدي كان محبوبًا من قبل الجميع، وكان يكرّس حياته لدعم الطلاب ومساعدتهم. لا يمكن له الآن حتى كتابة طلب بسيط. كيف يُسمح بحبس شخص في حالته؟ نطالب بالعدالة والرحمة”.
خلفية الاتهامات ضد الحركة
بدأ أردوغان يستهدف أتباع حركة الخدمة التي تستوحي فكر فتح الله كولن الراحل عقب تحقيقات الفساد في ديسمبر 2013، التي تورط فيها ثلاثة وزراء وأبناؤهم وأفراد من عائلة أردوغان، لكن الأخير وصف تلك التحقيقات بأنها مؤامرة قضائية من قِبل الحركة للإطاحة بحكومته، واتجه منذ ذلك الحين إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية “إعلاميا”، ثم استصدر في 2016 قرارا “رسميا” لوصفها بالإرهابية، حيث اتهمها هذه المرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة. غير أن الحركة نفت كل هذه الاتهامات ووصفت الأحداث الفوضوية في ليلة الانقلاب بـ”الحرب النفسية” و”عمليات الراية المُزيفة” (false flag) يقف وراءها أردوغان نفسه ليتمكن من خلق أرضية لاتهاماته الجاهزة، ووصم الحركة بالإرهابية، وبالتالي تصفية الجنرالات المعارضين لمشاريعه العسكرية في سوريا وعموم العالم العربي والإسلامي، بتهمة الانتماء إلى هذه المنظمة الإرهابية المزعومة.
يذكر أن مصطلح “الراية المزيفة” يُستخدم لوصف عمليات سرية تُنفذها جهة معينة بحيث يتم إخفاء الهوية الحقيقية للمنفذين وتوجيه التهمة لمجموعة أو دولة أخرى، بهدف خلق انطباع بأن الطرف الذي تم اتهامه زورًا هو من قام بالعمل، وذلك لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية أو استخباراتية. تُستخدم هذه الاستراتيجية في الغالب للتأثير على الرأي العام أو لتبرير أفعال وعمليات معينة لا يسمح لها الدستور والقوانين ولا يسوغها الجمهور في العادة.
وكان أردوغان قال صراحة عقب إعلانه حالة الطوارئ في البلاد بعد أسبوع من إحباط ما سمي بمحاولة الانقلاب الفاشلة بدعوى التصدي لـ”الانقلابيين”: “لقد حصلنا في ظل حالة الطوارئ على القدرة والإمكان من أجل تنفيذ كثير من الإجراءات التي لا يمكن أن نجريها في الظروف والأوقات العادية”، على حد قوله.
الإجراءات التي أعقبت الانقلاب
أعلنت الحكومة حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب، وأصدرت مراسيم طارئة أدت إلى فصل أكثر من 130,000 موظف حكومي، بالإضافة إلى 24,706 من أفراد القوات المسلحة، إلى جانب عشرات الآلاف من المدنيين، بزعم ارتباطهم بـ”منظمات إرهابية”، علمًا أن هذه المراسيم لم تخضع لأي رقابة قضائية أو برلمانية.
وخلال السنوات الأخيرة، خضع أكثر من 705,172 شخصًا لتحقيقات بتهم تتعلق بالإرهاب أو محاولة الانقلاب بسبب علاقتهم المزعومة بالحركة. وبلغ عدد المعتقلين حاليا في قضايا مرتبطة بالحركة حوالي 13,251 شخصًا، بين محتجزين على ذمة المحاكمة أو مدانين بتهم الإرهاب.
بين يونيو 2023 ويونيو 2024 فقط، نفذت السلطات التركية 5,543 عملية أمنية، أسفرت عن اعتقال 1,595 شخصًا على صلة بالحركة. بالإضافة إلى أعداد المعتقلين، اضطُر العديد من أتباع الحركة إلى الفرار من تركيا هربًا من حملة القمع الحكومية.