اعترف كاتب صحفي تركي يصف نفسه بـ”مهندس الدعاية لأردوغان” أن فريقًا خاصًّا، وهو أحد أفراده، من صنع مفهومي “الكيان الموازي” و”الدولة الموازية”، ومن بعده مفهوم “منظمة فتح الله كولن…”.
في اعترافات صادمة اعتبرها مراقبون أنها تقوض الرواية الرسمية للحكومة التركية بشأن حركة الخدمة التي أسسها وقادها الراحل فتح الله كولن، قال الإعلامي راسم أوزان كوتاهيالي: “لقد أوجدنا في البداية مفهوم الكيان الموازي أو الدولة الموازية، ثم عملنا على نشر هذا المفهوم. أنا بالذات مِنْ بين صُنَّاع هذه العملية. ومن ثم صنعنا مفهومَ منظمة فتح الله كولن… وكان مفهومًا صحيحًا. بدأ البعض يستخدم هذا المفهوم في عام 2016 (بعد الانقلاب الفاشل). لكن مفهوم منظمة فتح الله كولن… تم صناعته في عام 2014، أواخر عام 2014، ثم بدأ في الانتشار.
ولفت كوتاهيالي إلى دور وسائل الإعلام في نشر هذا المفهوم وزراعته في عقول الناس وأذهانهم تمهيدا لإعلان حركة الخدمة إرهابية قائلا: “لعبت صحيفة “صباح” (المملوكة لعائلة أردوغان) دورا كبيرا في تلك الفترة، إذ كررت كل يوم مفهوم منظمة فتح الله كولن..، حتى زرعته في العقول. وفي النهاية استقر هذا المفهوم في الأذهان”.
تطرق كوتاهيالي بعد ذلك إلى دور شركائهم من الكماليين الأتاتوركيين العلمانيين في نشر هذا المفهوم، حيث قال: ” كل كمالي (محب لأتاتورك) يستخدم مفهومر منظمة فتح الله كولن… يخدم في الواقع أردوغانَ وإيَّايَ، ويخدم الحكومة الحالية وحزب العدالة والتنمية”، على حد تعبيره.
اعتبر كتاب مقربون من حركة الخدمة أن تصريحات كوتاهيالي تقدم معطيات تكشف عن كيفية قيام الحكومة التركية، بالتعاون مع وسائل الإعلام الموالية، بتشويه سمعة الحركة بشكل منهجي لتبرير حملات التطهير والاعتقالات الواسعة النطاق التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.
وأكد كوتاهيالي أن الجهود المذكورة لإعلان حركة الخدمة منظمة إرهابية لم تنحصر في الصعيد الخطابي وحسب، وإنما شملت إجراءات عملية، مثل إغلاق المدارس والجامعات التابعة للحركة ومصادرة شركاتها قبل الانقلاب.
كانت حركة كولن دعمت جهود حزب العدالة والتنمية للحد من النفوذ العسكري وتنفيذ إصلاحات ديمقراطية في العقد الأول من حكم أردوغان، لكن العلاقة بين الطرفين توترت في العقد التالي مع ميل أردوغان نحو ما سمته الحركة الاستبداد، لا سيما بعد تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013.
بدأ استهداف أردوغان لحركة كولن منذ تحقيقات الفساد التي طالت أردوغان وعائلته ودائرته المقربة، حيث وصف هذه التحقيقات بأنها “انقلاب قضائي” ضد حكومته، ونسبها إلى أعضاء الحركة داخل الجهاز القضائي والشرطة، لتتصاعد الحملة ضد الحركة بعد محاولة الانقلاب حيث استخدم أردوغان الحادثة كذريعة لتعزيز سلطته وقمع المعارضة، فيما يشبهه العديد بـ”مطاردة الساحرات”.
مع أن أردوغان أقال في بداية عام 2015 أربعة وزراء وردت أسماء أبنائهم ضمن تلك التحقيقات، إلا أنه اتجه في العام ذاته إلى إغلاق هذه القضية، وطرد عشرات الآلاف من ضباط الشرطة والقضاة والمدعين العامين الذين يشتبه في ارتباطهم بحركة الخدمة، واعتقال مجموعات كبيرة منهم، مصحوبة بحملة إعلامية تصف الحركة بأنها “الكيان الموازي” و”الدولة الموازية”، لتتطور هذه الرواية لاحقًا إلى مصطلح (منظمة فتح الله كولن..) يستخدمه أردوغان ورجاله في خطاباتهم السياسية، رغم أن الحركة لم تكن بعدُ ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية لتركيا. إلا أن حكومة أردوغان صنفت الحركة كمنظمة إرهابية رسميا في مايو 2016، متهمة إياها بتدبير محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، وأطلقت حملة تصفية واعتقال موسعة لم تستهدف العسكريين المزعومة مشاركتهم في أحداث الانقلاب فقط، بل شملت عشرات الآلاف من الموظفين في القطاع العام والمدنيين العاملين في القطاع الخاص.
حملة الحكومة ضد حركة الخدمة واجهت انتقادات دولية، إذ رفضت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، مطالب تركيا بإغلاق مدارس الحركة أو تسليم أعضائها، ولا تزال المؤسسات التابعة للحركة في الخارج تُعتبر منظمات تعليمية وخيرية سلمية.
وانتقدت منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” استخدام تركيا لمصطلح منظمة فتح الله كولن لتبرير عمليات التطهير وانتهاكات حقوق الإنسان.