أعلنت وزارة العدل الأمريكية في التاسع من يوليو/تموز إسقاط قضية فساد كانت قد طالت مسؤولاً تنفيذياً تركياً في قطاع الصناعات الدفاعية، بعد تحقيق مشترك بين مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وجهاز التحقيق الجنائي في وزارة الدفاع الأمريكية.
القرار أدى إلى الإفراج عن رجل الأعمال التركي إسماعيل ترلمز، مؤسس شركة “آركا ديفنس” (ARCA Defense) ومقرها أنقرة، والذي كان قد أُوقف في مطار بروكسل الدولي في مايو/أيار الماضي بناءً على مذكرة تحقيق تتعلق بصفقات مشتبه بها داخل وكالة الدعم والتوريد التابعة لحلف شمال الأطلسي (NSPA)ومقرها لوكسمبورغ.
السلطات السويسرية كانت قد اعتقلت في اليوم ذاته الأمريكي سكوت إيفريت ويلاسون، الموظف السابق في الوكالة نفسها، قبل أن يُفرج عنه بالتزامن مع إسقاط القضية. النيابة الأمريكية بررت قرارها بأن “الاستمرار في الملاحقة لن يخدم العدالة”.
اتهامات تتعلق بعقود ذخيرة ومكاسب مالية
التحقيقات الأولية كانت قد ركزت على صفقة أُبرمت عام 2019 لشراء مادة ثلاثي نيترو التولوين (TNT)لصالح وكالة الناتو، يُعتقد أن ترلمز ساهم في توجيهها نحو شركة إيطالية أثناء عمله كضابط فني في برنامج الشراكة الخاص بدعم الذخائر.
وتحدثت الوثائق عن تحويل أكثر من مليون يورو إلى شركة استشارية في لوكسمبورغ مرتبطة بويلاسون، بينها نحو مئة وستة عشر ألف يورو يُعتقد أنها وصلت إلى ترلمز بين عامي 2019 و2020.
محامي ويلاسون نفى الاتهامات واعتبرها “خاطئة وبلا أساس”، مشيراً إلى أن إسقاط جميع التهم جاء بعد مراجعة دقيقة لملف القضية. أما شركة “آركا ديفنس” ومؤسسها فلم يقدما أي تعليق رسمي.
تساؤلات حول توقيت الإغلاق ودلالاته السياسية
إغلاق الملف أثار جدلاً واسعاً بسبب تزامنه مع لقاء جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الأمريكي دونالد ترامب في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، قبيل انعقاد قمة الناتو مباشرة.
القرار جاء بعد أسبوعين فقط من هذا الاجتماع، ما دفع مراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت القضية قد أغلقت في إطار تفاهمات سياسية أو تسوية غير معلنة بين واشنطن وأنقرة.
في المقابل، أكدت مصادر داخل الحلف أن وكالة الدعم والتوريد تعاونت بالكامل مع السلطات الوطنية في التحقيق، لكنها رفضت الخوض في تفاصيل “قضايا لا تزال قيد المراجعة”. ولم يصدر أي تعليق من البعثة التركية الدائمة لدى الناتو في بروكسل بشأن ما إذا كان اسم ترلمز قد طُرح خلال اللقاءات الثنائية.
“آركا ديفنس”.. صعود سريع في قطاع الدفاع التركي
تشير الوثائق التجارية إلى أن شركة آركا ديفنس تأسست في أغسطس/آب 2020، أي بعد مغادرة ترلمز وكالة الناتو مباشرة. وفي عام 2022، افتتح الرئيس التركي شخصياً مصنع الشركة في ولاية جوروم، في احتفال عُدّ دليلاً على دعم رسمي واضح للشركة الصاعدة.
سجل المساهمين يُظهر أن صواش بلجيك، أحد القياديين المحليين في حزب العدالة والتنمية الحاكم، امتلك حصة قصيرة الأجل في الشركة.
وفي البرلمان التركي، تقدّم نواب من حزبي الشعب الجمهوري والخير باستفسارات رسمية حول طبيعة عقود “آركا ديفنس” مع مؤسسات الدولة، بما في ذلك مزاعم غير مؤكدة حول اتفاق طويل الأمد لتوريد120 مليون طلقة إلى المؤسسة الميكانيكية والكيميائية الحكومية لمدة خمسةٍ وعشرين عاماً، قبل أن تختفي الشركة الوسيطة “نيبسا” من السجلات التجارية.
البيانات المالية تشير إلى ارتفاع رأس مال “آركا ديفنس” من مليون ليرة تركية فقط (حوالي 130 ألف دولار حينها) إلى نحو 150 مليون ليرة (خمسة ملايين دولار تقريباً) خلال أقل من أربع سنوات.
صفقات الأراضي والجدل المحلي
في تقارير محلية، أُثيرت شبهات حول صفقة أراضٍ صناعية في أنقرة مرتبطة بالشركة، حيث انخفض تقييم قطعة أرض من149.5 مليون ليرة (نحو 8.3 ملايين دولار) إلى54.9 مليون ليرة (نحو 3 ملايين دولار) قبل يوم واحد من بيعها، ما أثار شكاوى تتعلق بخسائر مالية عامة تقدر بنحو 75 مليون ليرة. الموقع يجري تطويره حالياً لإنتاج قذائف مدفعية مخصصة لأوكرانيا ضمن عقود تصديرية جديدة.
من تركيا إلى أوكرانيا عبر العقود الأمريكية
التقارير المشتركة أشارت إلى أن فرنسا واليونان وقبرص كانت قد عرقلت سابقاً أي مشتريات مباشرة من تركيا ضمن برامج الناتو، ما دفع “آركا ديفنس” إلى دخول سلسلة التوريد عبر عقود أمريكية.
في عام 2024، اشترى الجيش الأمريكي نحو116 ألف قذيفة مدفعية من الشركة التركية، نُقلت لاحقاً إلى أوكرانيا ضمن برنامج الطوارئ الأمريكي لتعويض المخزون ودعم القوات الأوكرانية.
منذ ذلك الحين، وقّعت الشركة عقود تصدير بمئات ملايين الدولارات، ووسّعت طاقتها الإنتاجية في مصنعها بجوروم، لتصبح أحد الموردين الإقليميين الرئيسيين في سوق الذخيرة الدفاعية.
ملف مفتوح: الغموض بين السياسة والأعمال
التحقيقات لم تحسم بعد ما إذا كان خروج ترلمز من وكالة الناتو مرتبطاً بتحقيق داخلي، كما لم تتضح طبيعة الخدمات التي برّرت التحويلات المالية المزعومة، أو ما إذا كانت هناك تدخلات سياسية تركية ساهمت في قرار إسقاط القضية الأمريكية.
كما لم يُكشف بعد عن تفاصيل الاتفاق المزعوم لتوريد الذخيرة للمؤسسة الحكومية أو تفسير الزيادة السريعة في رأسمال الشركة.
في المقابل، يرى محللون أن تزامن إغلاق الملف مع نشاط تركي متزايد داخل قطاع الدفاع في أوروبا والناتو يعكس محاولة متوازنة من واشنطن للحفاظ على تحالفها مع أنقرة في وقت تتصاعد فيه التوترات الدولية بشأن أوكرانيا والشرق الأوسط.

