صحيفة واشنطن: التحالف بين أردوغان وبهجلي بدأ يتصدع

في تقرير نشرته أمس الجمعة، زعمت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، أسفر عن “التقاط المعارضة للطاقة المتولدة في الشارع”، مشيرة إلى أن “موجة نادرة من الوحدة” تشكّلت في صفوف المعارضة لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان، وأن “التحالف الذي شكله أردوغان مع حليفه القومي وأبقاه في السلطة بدأ يتصدّع”، في إشارة إلى تراجع التماسك داخل الكتلة السياسية الداعمة له.

أثار اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، قبل نحو أربعة أسابيع، موجة غير مسبوقة من التلاحم في صفوف المعارضة التركية، إذ خرج متظاهرون من أطياف سياسية متعددة إلى الشوارع، مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان.

ورغم أن موعد الانتخابات الرئاسية القادمة محدد في مايو 2028، إلا أن أجواء السخط الشعبي والانقسام المتزايد في التحالف الحاكم، دفعا المعارضة إلى محاولة تحويل هذا الزخم الشعبي إلى رأسمال سياسي قادر على تعبئة الناخبين في المدى القريب والمتوسط.

حزب الشعب الجمهوري يحاول بناء تحالف واسع

يسعى “حزب الشعب الجمهوري” (CHP) ذو التوجه العلماني، الذي يتزعمه أوزغور أوزيل، إلى توسيع التحالفات السياسية واحتواء الأطياف المختلفة في المشهد السياسي المعارض، مستفيدًا من الدعم المتزايد في استطلاعات الرأي، حيث أظهر استطلاع حديث أجراه مركز “سونار” أن الحزب حصل على نسبة تأييد بلغت 37%، متقدماً على حزب “العدالة والتنمية” الحاكم الذي تراجع إلى 30%. كما أظهرت النتائج تراجعًا إضافيًا لحزب “الحركة القومية” المتحالف مع أردوغان.

وفي هذا السياق، علّق غونول تول، الباحث في معهد الشرق الأوسط، بأن “التحالف الذي شكّله أردوغان وضمن له البقاء في السلطة بدأ يتفكك”، مضيفاً أن “السؤال المحوري الآن هو: ماذا سيفعل الحزب الكردي؟”، وذلك في تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، من إعداد الصحفيين ريك نواك وبيريل إسكي.

الورقة الكردية: دعم مشروط وشكوك متبادلة

يُشكّل الأكراد نحو خمس سكان تركيا، ويُنظر إلى إمام أوغلو على أنه يتمتع بقدرة أكبر من أردوغان على اجتذاب أصواتهم، لا سيّما في ظل تعامله المرن مع قضيتهم مقارنةً بسلوك الدولة التقليدي. وقد أوضح النائب عن حزب الشعب الجمهوري، جوكخان غون آيدين، أن “الطالب الكردي البالغ من العمر 18 عامًا يواجه التحديات نفسها التي يواجهها نظيره من منطقة البحر الأسود”، في إشارة إلى محاولة تقويض الانقسامات الثقافية والعرقية.

إلا أن العلاقات بين الأكراد وحزب الشعب الجمهوري لا تزال ملتبسة، إذ ما زال العديد من الأكراد يحملون الحزب المسؤولية عن عقود من التهميش والقمع، نظراً لكونه الحزب المؤسس للجمهورية التركية الحديثة، والذي يمثل أحيانًا توجها قوميًا معاديًا لمطالبهم، وفقا لتقرير واشنطن بوست.

وقد أضاف ساروهان أولوتش، النائب البارز في “حزب الشعوب الديمقراطية والمساواة” (DEM)، أن “محاولات حزب الشعب لحل المسألة الكردية لا تزال قاصرة”، داعيًا المعارضة إلى أن تكون أكثر جرأة في تبني خطاب واضح حول الحلول الديمقراطية للقضية الكردية. وقال: “إذا قالت الحكومة جملة واحدة بشأن حل القضية الكردية، فعلى المعارضة أن تقول ثلاث جمل، لكنهم ينطقون بنصف جملة الآن”.

تزامن اعتقال إمام أوغلو مع تحركات حول ملف أوجلان

جاء اعتقال إمام أوغلو بعد نحو ثلاثة أسابيع من دعوة عبد الله أوجلان، زعيم “حزب العمال الكردستاني” (PKK) المعتقل، إلى إنهاء العمل المسلح، ما أثار شكوكًا في أوساط المعارضة حول وجود صفقة محتملة بين أردوغان والحزب المحظور. ورغم نفي الحكومة القاطع لأي تفاوض مع أوجلان، فإن السماح لأعضاء من حزب الديمقراطية والمساوات للشعوب بزيارته في السجن، ثم لقائهم بأردوغان للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، زاد من تلك الشبهات.

ويخشى بعض السياسيين من أن الدعم المفرط من الحزب الكردي للمعارضة قد ينسف أي تقارب سري مع النظام بشأن الملف الكردي، كما نبّه إلى ذلك المحلل السياسي، ميرت أصلان ألب، مشيراً إلى أن “الحزب الكردي يعيش معضلة حقيقية: دعم قوي للمعارضة قد ينسف عملية التقارب، لكنه في الوقت نفسه لا يملك بدائل كثيرة”، وفق ما نقلته صحيفة واشنطن بوست.

التحالف المعارض يستعيد ثقة القواعد الشعبية

وفي الوقت الذي تستمر فيه الاحتجاجات وتنظم المؤتمرات الطارئة لحزب الشعب الجمهوري، ظهر زعيم الحزب أوزغور أوزيل، الذي خلف كمال كليجدار أوغلو في 2023، كشخصية فاعلة استطاعت استثمار لحظة الغضب الشعبي. أوزيل ألقى خطابات نارية في أنقرة وغيرها، معلناً أن “حزب الشعب الجمهوري هو أكبر عائلة سياسية في تركيا”، وموحياً باستعداده لقيادة البلاد في حال أُجريت انتخابات مبكرة.

وقد أعادت هذه الديناميكية الثقة لبعض الكوادر السابقة في الحزب، مثل المعلمة فُليا إرين (47 عامًا)، التي شاركت في فعالية للحزب لأول مرة منذ سنوات بعد أن غادرته يأسًا. وقالت: “رغم كل شيء، أضع أملي الحقيقي في إمام أوغلو… إنه زعيم حقيقي، ولن يخذلنا”.

نقاط ضعف أردوغان تتعمّق رغم امتلاكه قاعدة صلبة

اعتمد أردوغان على تحالف بين المحافظين دينيًا والقوميين المتشددين وشرائح الطبقة العاملة التي استفادت من برامجه الاجتماعية والنمو الاقتصادي في مراحل سابقة. لكن التضخم المتصاعد والانكماش الاقتصادي في السنوات الأخيرة كشفا تصدعات واضحة في هذا التحالف.

ويُجمع مراقبون على أن أردوغان ارتكب خطأً كبيرًا حين تجاهل صعود نجم إمام أوغلو. ففي انتخابات 2019 البلدية، فاجأ إمام أوغلو الجميع حين انتزع إسطنبول من قبضة حزب العدالة والتنمية، ثم أعاد الفوز بها رغم إعادة الانتخابات. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يرى العديد من المحللين أن ترشيح إمام أوغلو بدلًا من كمال كليجدار أوغلو كان من شأنه أن يمنح المعارضة فرصة حقيقية للفوز.

ويؤكد سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في “معهد واشنطن”، أن “قاعدة أردوغان مؤلفة في الغالب من يمينيين، بينما يتمتع إمام أوغلو بدعم من اليمين واليسار والوسط، ما يجعله تهديداً وجودياً لأردوغان”.

نحو مستقبل غامض: هل تنجح المعارضة في تحويل الزخم إلى انتصار سياسي؟

رغم المؤشرات الإيجابية في الشارع واستطلاعات الرأي، لا تزال التحديات أمام المعارضة جسيمة، إذ لم تُحسم حتى الآن معالم التحالفات المستقبلية، ولا مدى قدرة حزب الشعب الجمهوري على الحفاظ على وحدة صفوفه، خصوصًا في ظل التحفظات الكردية.

من جهته، حذر السياسي الكردي المخضرم جنكيز جندار من مخاطر استمرار الوضع الراهن قائلاً: “إذا تحولت تركيا إلى أوتوقراطية كاملة، فسيكون الأكراد أول من يدفع الثمن”.

وفي السياق ذاته، شدد أصلان ألب، على أن “فقدان الأكراد للأمل في صناديق الاقتراع سيؤدي إلى فقدانهم لأهم أوراق الضغط السياسية”، وفق ما ورد في تقرير صحيفة واشنطن بوست.

وفي ظل هذه المعطيات المتشابكة، تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت المعارضة قادرة على استثمار لحظة إمام أوغلو التاريخية لكسر الهيمنة السياسية التي رسّخها أردوغان على مدى أكثر من عقدين.