حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزَل، من عواقب انتقاداته للقيادة العسكرية، على خلفية قرارات فصل خمسة ضباط من الجيش التركي.
جاء ذلك بعد تصريحات أوزَل التي انتقد فيها كبار القادة العسكريين، متّهماً إياهم بممارسة ضغوط على مجلس الانضباط الأعلى لاتخاذ قرار الفصل، بسبب أداء الضباط المعنيين قسماً غير معتمد، تضمّن ترديد شعار “نحن جنود مصطفى كمال”، في إشارة إلى مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك.
وفي اجتماع موسّع لرؤساء الأقاليم بحزب العدالة والتنمية، دافع أردوغان بشدة عن قائد القوات البرية، الفريق أول سَلجوق بيرقدار أوغلو، وقائد القوات البحرية، الأدميرال أرجومنت تاتلي أوغلو، ووجّه تحذيراً مباشراً لأوزَل، قائلاً: “أخاطبك بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة، احذر كلماتك، وإذا لم تفعل، فسنجبرك على ذلك. ليست لديك صلاحية مهاجمة قادة الجيش، فاعرف حدودك.”
كما أعلن أردوغان أن وزير الدفاع يشار غولر، إلى جانب مسؤولين عسكريين آخرين، سيباشرون إجراءات قانونية ضد أوزَل بتهمة التشهير والإساءة إلى المؤسسة العسكرية، مؤكداً أن حكومته لن تتهاون مع أي محاولات للتشكيك في قرارات الجيش.
والمثير جاءت تهديدات أردوغان لزعيم المعارضة بعد ما طرح خلال اجتماع مؤخرا تساؤلات قائلا: “لماذا توقفت السفن العائمة في المياه الدولية، وما كانت حمولتها يا ترى، ولمن الحسابات التي شهدت تحركات غريبة؟”، في إشارة منه إلى مزاعم تورط مسؤولين كبار في تهريب دولي للمخدرات.
الخلفية والتداعيات
تعود الأزمة إلى قرار فصل الضباط الخمسة بعد أدائهم قسماً غير رسمي تضمن طقوساً عسكرية من بينها رفع السيوف وترديد شعارات علمانية. ورغم أن المجلس التأديبي العسكري اعتبر الأمر مخالفاً للوائح العسكرية، إلا أن المعارضة رأت في القرار بعداً سياسياً، متهمة الحكومة بتوجيه الجيش نحو نهج أكثر محافظة، على حساب الإرث العلماني للجمهورية.
وزعم أوزَل أن الفريق أول تَوفيق ألغان، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الأركان البرية ورئيس مجلس الانضباط، عارض قرار الفصل لكنه تعرّض لضغوط دفعته إلى مغادرة منصبه، قبل أن يختار التقاعد بدلاً من قبول إعادة تعيينه. وذهب زعيم المعارضة إلى اتهام الجنرالين بيرقدار أوغلو وتاتلي أوغلو بالضلوع في تلك الضغوط، بل وصفهما بأنهما “نالوا اللعنات بدلاً من الدعوات”، متعهداً بمحاسبتهما في حال وصول حزب الشعب الجمهوري إلى السلطة.
أردوغان يهاجم المعارضة ويطرح قضايا داخلية
رفض أردوغان هذه الاتهامات، معتبراً أنها جزء من محاولات المعارضة لتقويض هيبة المؤسسة العسكرية. كما استغل الفرصة لمهاجمة حزب الشعب الجمهوري داخلياً، مذكراً بما وصفه بـ”التجاوزات” التي رافقت انتخاب أوزَل زعيماً للحزب في المؤتمر العام الـ38، والذي أطاح بسلفه كمال كليجدار أوغلو.
وقال أردوغان: “بدلاً من تحويل منصة البرلمان إلى ساحة للمزايدات الفارغة، على أوزَل أن يوضح مزاعم التلاعب في انتخابات حزبه. يتحدث كثيراً، لكنه لا يقول شيئاً ذا قيمة.”
تأتي هذه التصريحات في وقت يواصل فيه الادعاء العام في أنقرة تحقيقاته حول مزاعم شراء أصوات في انتخابات حزب الشعب الجمهوري، حيث تشير الشكوى المقدمة في بورصة إلى تقديم حوافز مالية لبعض المندوبين لدعم أوزَل ضد كليجدار أوغلو، وهو ما نفاه الحزب المعارض بشدة. ويرى منتقدو الحكومة أن التحقيق يأتي ضمن سلسلة من التدخلات القضائية التي تخدم مصالح أردوغان، على غرار أحكام سابقة صبّت في صالح حلفائه خلال نزاعات داخل أحزاب المعارضة.
انعكاسات الأزمة على المشهد السياسي
تكشف هذه الأزمة عن استمرار التوتر بين حكومة أردوغان والمعارضة العلمانية، وسط اتهامات متبادلة بمحاولات إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية وفق توجهات سياسية. كما تعكس المواجهة الأخيرة الصراع الأوسع حول إرث أتاتورك، حيث يرى معارضو أردوغان أن حكومته تسعى إلى تقويض المبادئ العلمانية، فيما تؤكد الحكومة أن قراراتها تهدف إلى فرض الانضباط العسكري بعيداً عن التجاذبات السياسية.
ومع تصاعد اللهجة بين الجانبين، يبقى التساؤل: هل ستؤدي هذه المواجهة إلى مزيد من التصعيد، أم أن التوازنات السياسية ستفرض نوعاً من التهدئة خلال الفترة المقبلة؟