أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موجة واسعة من الانتقادات بعد تصريح مثير للجدل قال فيه إن تركيا “لم تكن قادرة على إنتاج حتى إبرة خياطة” قبل خمسة وعشرين عاماً، في إشارة إلى الفترة السابقة لتولّي حزب العدالة والتنمية الحكم في عام 2002.
وجاءت هذه التصريحات خلال افتتاح مصنع جديد لشركة “بي إم سي” المتخصصة في إنتاج الدبابات والمركبات المدرعة المتطورة في العاصمة أنقرة، بالتزامن مع اقتراب الذكرى الثانية بعد المئة لتأسيس الجمهورية التركية.
أردوغان، في كلمته أمام الحاضرين، قارن بين القدرات الصناعية في الماضي والحاضر قائلاً إن بلاده “لم تكن تنتج سوى عشرين بالمئة من احتياجاتها الدفاعية”، بينما “أصبحت الآن قادرة على إنتاج ثمانين بالمئة منها”. إلا أن حديثه عن “إبرة الخياطة” أشعل موجة من السخرية والانتقادات، إذ اعتبره كثيرون تجنياً على التاريخ الصناعي للجمهورية وإلغاءً متعمداً لإنجازات عقود من التطور الصناعي.
إرث صناعي مبكر يتجاهله الخطاب الرسمي
ردود الفعل لم تتأخر، إذ سارع عدد من السياسيين والمعارضين إلى تذكير الرئيس بأن تركيا كانت قد بدأت تصنيع الإبر منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما تأسست شركة “أتيلي” في إسطنبول عام 1951، وهي التي صنعت أولى الإبر المحلية في تاريخ البلاد.
وأشار المنتقدون إلى أن الأساس الصناعي لتركيا وُضع في العقود الأولى للجمهورية، عندما أُنشئت مصانع الحديد والصلب والسكر والمنسوجات في ظل سياسات الدولة التنموية التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية.
المعارضة: إنجازات الجمهورية لا تُمحى بالشعارات
نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، يانكي باغجي أوغلو، وهو أدميرال سابق، علّق بأن تركيا كانت تصنع السفن الحربية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أن أحواض بناء السفن في غولجوك وطاشكزاق أنتجت غواصات وزوارق محلية الصنع قبل عقود من حكم العدالة والتنمية.
وقال إن القدرات التكنولوجية الحالية “لم تُبنَ من فراغ، بل هي ثمرة تراكم صناعي طويل المدى”، داعياً إلى “عدم تحقير المراحل التي وضعت الأساس لما نراه اليوم من تطور تقني“.
وفي السياق ذاته، ردّ زعيم حزب “الخير” مساوات درفيش أوغلو على الرئيس قائلاً إن أول مصنع لإبر الخياطة أُنشئ قبل أربعة وسبعين عاماً، عندما كانت الجمهورية في عامها الثامن والعشرين. وأضاف أن مصانع الطائرات والسكر والمنسوجات والحديد والصلب والسفن والورق والإسمنت والسجائر ومحطات الطاقة والسدود والمصانع الكيماوية، كلها تأسست في السنوات الخمس عشرة الأولى للجمهورية، رغم الظروف الاقتصادية القاسية آنذاك.
واختتم تصريحه بلهجة لاذعة قائلاً: “ما عجزتم عن تحقيقه في زمن الوفرة، أنجزته الجمهورية في زمن الشح. لم نكن نعيش في الكهوف قبل مجيء العدالة والتنمية.”
الإعلام المستقل: تجاهل للتاريخ الاقتصادي للدولة
من جانبها، انتقدت الكاتبة الاقتصادية تشيجديم توكر تصريحات الرئيس، مؤكدة أن مؤسسات صناعية عملاقة مثل “كارديمير” و”إرديمير” و”إيسدمير” كانت قائمة منذ عقود، حيث احتفلت في عام 2000 بمرور ثلاثة وستين وأربعين وثلاثين عاماً على تأسيسها على التوالي.
وأشارت إلى مفارقة لافتة، إذ كان أردوغان نفسه قد أشرف على خصخصة شركة “إرديمير” عام 2005 حين كان رئيساً للوزراء، ما يعني أنه كان على دراية تامة بتاريخ تلك المؤسسات.
ورأت توكر أن هذا الخطاب ليس جديداً، بل يندرج ضمن نمط سياسي يتكرر منذ سنوات، يقوم على تقديم تاريخ تركيا كما لو أنه بدأ مع تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، متجاهلاً إرث الجمهورية ومؤسساتها التي شكلت قاعدة التصنيع الوطني الحديث.
دلالات التوقيت والرمزية السياسية
تزامنت تصريحات أردوغان مع احتفالات تركيا بالذكرى الثانية بعد المئة لإعلان الجمهورية في التاسع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، ما أضفى على الجدل بعداً رمزياً.
إذ رأت المعارضة أن كلام الرئيس في مثل هذا التوقيت يهدف إلى إعادة صياغة الذاكرة الوطنية، عبر ربط النهضة الصناعية الحديثة بحكم حزبه فقط، وإضعاف الصلة التاريخية بين الإنجازات الراهنة ومشاريع التأسيس الأولى للجمهورية.

