أجرى نائب من الحزب الكردي زيارة إلى سجن “سنجان” في العاصمة التركية أنقرة، من أجل تسليط الأضواء على “الظلم الكبير” الواقع على ناشطة خيرية موغلة في السن لمجرد صلتها بحركة الخدمة.
نددت ملك إيبيك، الناشطة الخيرية التركية البالغة من العمر 78 عامًا، ووالدة رجل الأعمال المنفي أكين إيبيك، بما وصفته بـ”الظلم العظيم” الذي تعرضت له، رغم تكريس حياتها لمساعدة الآخرين، وفقًا لتقرير صادر عن مركز ستوكهولم السويدي للحرية.
وخلال زيارة للسجن أجراها المدافع عن حقوق الإنسان والنائب عن حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، عمر فاروق جرجرلي أوغلو، أعربت إيبيك عن ألمها الشديد بسبب حبسها وتدهور حالتها الصحية.
وقالت إيبيك للنائب: “لقد قضيت حياتي في مساعدة الناس، لكن في المقابل وجدت نفسي خلف القضبان. لقد ألحقوا بي كل الأذى الممكن، ومع ذلك، لو أُتيح لي، لما ترددت في مساعدة الآخرين”.
معاناة صحية وظروف قاسية
تعاني إيبيك من عدة أمراض مزمنة، من بينها الربو وارتفاع ضغط الدم وآلام حادة نتيجة الانزلاق الغضروفي. وأوضح جرجرلي أوغلو أنها نُقلت إلى الاجتماع معه على كرسي متحرك، مشيرًا إلى أنها بدت منهارة وضعيفة جسديًا. وأضاف: “وصفت إيبيك أسرتها بأنها ممزقة، وأكدت أنها تشعر بالانكسار، متسائلة كيف يمكن للنواب من الحزب الحاكم الذين يعرفونها أن يتحملوا رؤية هذا الظلم”.
كما انتقدت إيبيك الظروف القاسية داخل السجن، ووصفت الإجراءات العقابية التي تواجهها، بما في ذلك المراقبة المستمرة أثناء اجتماعاتها مع محاميها.
خلفية القضية وأحكام السجن
اعتُقلت ملك إيبيك في 9 نوفمبر لقضاء عقوبة بالسجن ست سنوات وثلاثة أشهر بتهمة “الانتماء إلى منظمة إرهابية” بسبب صلتها بحركة كولن أو حركة الخدمة، إضافة إلى حكم بالسجن لمدة أربع سنوات وشهرين بتهمة انتهاك لوائح هيئة أسواق المال.
استهداف الحكومة لحركة الخدمة
يشن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حملة شرسة ضد أتباع حركة الخدمة، المستوحاة من فكر الراحل فتح الله كولن. بدأت هذه الحملة بعد الكشف عن تحقيقات فساد عام 2013 تورط فيها الدائرة الضيقة لأردوغان، الذي كان حينها رئيسًا للوزراء.
ووصف أردوغان هذه التحقيقات بأنها انقلاب ومؤامرة قضائية ضد حكومته، وصنّف الحركة كمنظمة إرهابية، ليبدأ حملة واسعة لملاحقة أعضائها. وتفاقمت هذه الحملة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، التي اتهم أردوغان الحركة بتدبيرها، وهو اتهام نفته الحركة بشدة.
تدهور الحالة الصحية ومصادرة الأصول
تدهورت الحالة الصحية لإيبيك بسرعة بعد اعتقالها، ما استدعى نقلها إلى المستشفى في وقت قصير. وكانت الحكومة التركية قد صادرت مجموعة شركات “كوزا إيبيك” المملوكة للعائلة إلى جانب أصول شخصية قيّمة في عام 2015، مستندة إلى اتهامات بالارتباط بحركة الخدمة.
أكين إيبيك، مؤسس المجموعة، كان في المملكة المتحدة عند بدء الحملة، واختار عدم العودة إلى تركيا. وقدمت الحكومة التركية طلبًا رسميًا لتسليمه، إلا أن القضاء البريطاني رفض الطلب.
المحاكمات والقمع المستمر
تعرّضت عائلة إيبيك لضغوط قانونية مكثفة منذ تصنيف حركة الخدمة كمنظمة إرهابية في عام 2016. وحُكم على شقيق أكين إيبيك، جعفر تكين إيبيك، بالسجن لمدة 79 عامًا وثمانية أشهر، وهو قيد الاعتقال منذ أبريل 2016.
كانت ملك إيبيك شخصية معروفة وموضع احترام حتى في الأوساط القريبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، باعتبارها رائدة في العمل الخيري. لكن مع تصاعد حملة الحكومة على أصول حركة الخدمة، تعرضت لملاحقات قانونية متواصلة.
وفي يناير 2021، كانت ملك إيبيك وأفراد من عائلتها من بين 20 متهمًا في قضية قضت بنقل ملكية أسهم مجموعة “كوزا إيبيك” إلى وزارة الخزانة والمالية التركية، ووضع الشركة تحت إدارة مجلس وصاية حكومي منذ مصادرتها عام 2015.
في يوليو 2020، تم إخراج ملك إيبيك قسرًا من منزلها، ولكن لم يتم احتجازها حتى وقت قريب. وأكد جرجرلي أوغلو أنه يخطط لإثارة قضية إيبيك وظروف السجون بشكل عام داخل البرلمان.
انتقادات واسعة
كان اتجاه السلطات التركية لاعتقال إيبك أثار استياء كبيرًا وانتقادًا واسعًا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بينهم وزير سابق من حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث وجه وزير الثقافة والسياحة التركي الأسبق، أرطغرل غوناي، انتقاداً لرئيس البرلمان التركي الأسبق بولنت أرينتش بسبب صمته على “الاعتقال الجائر”
غوناي، الذي سبق أن شغل منصب وزير السياحة في حكومة رجب طيب أردوغان، تساءل عن صمت أرينتش، أحد مستشاري أردوغان، قائلاً: “كيف يمكن للإنسان أن يصمت إزاء ظلم يُمارَس على من كان يحترمهم ويعرف براءتهم؟ ما ثمن هذا الصمت؟ حفظ الله الجميع!” مستشهداً بآية قرآنية من سورة النساء: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين”.
يُذكر أن بولنت أرينتش كان قد تحدث في برنامج تلفزيوني عام 2015، حيث وصف ملك إيبك بأنها “ملاك للخير”، مؤكداً أن تقبيل يدها “ليس بجريمة”، وأنه سيقوم بذلك مجدداً إذا أتيحت له الفرصة.
وكان شريحة واسعة من المسؤولين، بمن فيهم أردوغان وأفراد عائلته على علاقة جيدة مع عائلة إيبك، وقد عرفت العائلة بضخ استثمارات هائلة في مجال التعليم خصوصًا، حيث أسست أفضل الجامعات والمدارس في تركيا، منحت بعضها للحكومة إلى جانب إنشائها عديدا من الوسائل الإعلامية.
مصادرة شركة “كوزا – إيباك” الإعلامية
أصدرت السلطات التركية في 27 أكتوبر 2015 قرارًا بتعيين “وصي” على شركة “كوزا – إيباك” الإعلامية القابضة والشركات التابعة لها، في إطار الضغوطات التي مارستها على وسائل الإعلام المستقلة أو المعارضة اعتبارا من عام 2013 حيث طفت فضائح الفساد والرشوة إلى السطح، والتي تورط فيها أبناء أربعة وزراء أقالهم أردوغان من مناصبهم في وقت لاحق.
أقدمت قوات الأمن على محاصرة مبنى مجموعة “إيباك” التي كانت تضمّ تحت مظلتها مؤسسات إعلامية، مثل قناة بوجون تي في “Bugün TV”، وجريدة “بوجون” اليومية، وقناة ترك “Kanal Türk” ومحطة قناة ترك الإذاعية، وجريدة “ملّت” اليومية وغيرها. وقد اقتمحت القوات الأمنية مقر المجموعة في 28 أكتوبر 2015 ودخلت إلى المبنى بعد كسر بوابته الحديدية وإخراج الصحفيين العاملين فيه.
وقد استخدمت الشرطة خلال الاقتحام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والهراوات تجاه العاملين والمواطنين المحتجين، مما أسفر عن إصابة عشرات المواطنين والصحفيين التابعين لمختلف المؤسسات الإعلامية بجروح، بمن فيهم أحد البرلمانيين، إضافة إلى اعتقال بعض الصحفيين، لتنتهي عملية الاقتحام بدخول شرطيين مدنيين إلى غرفة الإرسال عنوة وقطع أسلاك جهاز البثّ الفضائي للقناتين، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في تركيا والعالم على حد سواء، وعدّته منظمات صحفية محلية ودولية “انقلاباً دموياً على حرية الإعلام في تركيا”.
وفي 13 سبتمبر 2019 أصدرت محكمة التحكيم الدولية بإجماع آراء هيئة القضاة، بمن فيهم القاضي المعين من قبل تركيا، قرارًا أدانت فيه الحكومة التركية، مطالبةً إياها بتعويض قيمته 6 مليارات دولار، ووقفِ جميع الدعاوى القضائية والتحقيقات المحررة ضد الصحفيين في مجموعة وشركة إيباك الإعلامية ومسؤولي الشركة رفيعي المستوى والمحامين وأفراد عائلة إيبك، مع عدم منح الحكومة التركية حق الطعن على القرار، لكن السلطات التركية لم تمتثل لهدا القرار حتى اليوم.
وقد قال الكاتب الصحفي ورئيس القنوات التلفزيونية التابعة لمجموعة إيبك آدم ياوز أرسلان بعد قرار الوصاية والمصادرة على مؤسساتهم: “إن الرئيس أردوغان نجح نهاية عام 2015 في إسقاط لبنة قوية من صرح الإعلام وإزالة أول حجر عثرة في طريق الانقلاب المدبر الذي فتح له أبواب النظام الرئاسي الحالي”، على حد تعبيره.