تمويل بريطاني لمشروع أوروبي في ظل عاصفة قانونية تركية
الصفقة، التي وُصفت بأنها “دعم ائتماني للتصدير” وليست منحة مالية أو قرضاً مباشراً من الحكومة البريطانية، تتيح لوكالة وكالة ائتمان الصادرات البريطانية تقديم ضمانات مصرفية لتسهيل شراء السلع والخدمات البريطانية المستخدمة في المشروع الصناعي في مدينة لوميل البلجيكية.
وتبلغ المسؤولية القصوى للوكالة في المشروع نحو 100.5 مليون جنيه إسترليني، فيما يقود بنك BNP Paribas الترتيبات التمويلية إلى جانب مجموعة من المصارف الدولية تشمل KBC وMUFG وDenizBank AG وDeutsche Bank وBank ABC وDHB، مع مشاركة وكالات ائتمان تصدير من إيطاليا وسويسرا ودعم إضافي من برنامج “Gigarant” التابع لحكومة فلاندرز البلجيكية.
انعكاسات سياسية في بريطانيا بعد فشل مشروع ويلز
القرار البريطاني أثار موجة انتقادات في ويلز، حيث كانت “جينر غلاس” قد تعهدت سابقاً بإنشاء مصنع ضخم في مدينة إببو فايل يوفر ما بين 600 و650 فرصة عمل، قبل أن تتراجع عن المشروع في يوليو 2025 بحجة ارتفاع التكاليف وتغير ظروف السوق.
وقد منح المجلس المحلي التصاريح اللازمة في عام 2022، إلا أن الشركة ألغت المشروع بعد ثلاث سنوات من الترويج له باعتباره أحد أكبر الاستثمارات الصناعية في جنوب ويلز. وأبدى السكان والمسؤولون المحليون استياءهم من القرار، الذي اعتُبر “نكسة اقتصادية” بعد سنوات من الوعود غير المنجزة.
من ويلز إلى بلجيكا… تحوّل في وجهة الاستثمارات
بينما ظلّ موقع المصنع في ويلز خاوياً من أي نشاط، أعلنت “جينر غلاس” في أغسطس الماضي توقيع اتفاق تمويل بقيمة 504 ملايين يورو لمصنعها الجديد في بلجيكا، المخصص لإنتاج زجاج الحاويات لأسواق بلجيكا وهولندا وألمانيا. وقد تم تمويل المشروع بمشاركة عدد من المصارف الأوروبية الكبرى، فيما تولّت شركة “دينتونز” القانونية تمثيل المقترض في الصفقة.
تطورات قضائية في تركيا تُلقي بظلالها على الصفقة
الاهتمام الدولي بالمشروع تصاعد بعد أن أصدرت النيابة العامة في إسطنبول أوامر بتوقيف عدد من كبار مسؤولي المجموعة، بينهم الرئيس التنفيذي غوكهان شين ونجل المؤسس عاتلة جينر، على خلفية تحقيق في عمليات مالية مرتبطة ببيع أصول إعلامية تابعة لمجموعة “جينر” إلى شركة “جان القابضة” في عام 2024. كما صدر أمر منفصل بتوقيف مؤسس المجموعة، ترغاي جينر، الذي يقيم حالياً في لندن وفق تقارير إعلامية.
وتزامن ذلك مع قرارات بمصادرة عدد من شركات المجموعة في تركيا في إطار تحقيق أوسع يشمل قضايا غسل أموال وفساد مالي، بعد استحواذ “جان القابضة” على قنوات تلفزيونية بارزة مثل “هابرتورك” و”شو تي في”.
الوكالة البريطانية: التدقيق البيئي والاجتماعي مكتمل
أكدت وكالة ائتمان الصادرات البريطانية أن قرارها بالمضي في المشروع البلجيكي جاء بعد استكمال عمليات “العناية البيئية والاجتماعية الواجبة”، موضحة أن الدعم يقتصر على ضمان توريد وتركيب الأفران والمعدات الفنية من شركة “تيكوغلاس” البريطانية في شيفيلد.
وبذلك، تؤكد لندن أن تمويلها موجّه إلى كيان بلجيكي مستقل قانونياً، وليس إلى الشركات المتورطة في التحقيقات الجارية داخل تركيا.
خلفيات اقتصادية وتقاطعات سياسية
تزامن الإعلان البريطاني مع توترات مالية متزايدة في تركيا، حيث تشنّ الحكومة منذ سبتمبر الماضي حملة واسعة لملاحقة قضايا غسل الأموال والفساد، أدت إلى مصادرة مئات الشركات وإحالة العشرات من رجال الأعمال إلى التحقيق، ما أثار قلق المستثمرين المحليين والأجانب بشأن مناخ الأعمال واستقلالية المؤسسات المالية.
ويأتي دعم بريطانيا لمشروع “جينر غلاس” البلجيكي في وقت حرج، إذ ترى بعض الأوساط الاقتصادية أن الخطوة تحمل رسالة مزدوجة: دعم للصناعات المرتبطة بالموردين البريطانيين من جهة، وتجنب مباشر لأي تورط في القضايا القانونية التركية من جهة أخرى.

