في تطور يعكس انخراطًا تركيًا متزايدًا في إدارة ما بعد الحرب في غزة، أعلنت مصادر بوزارة الدفاع التركية أن81 خبيرًا من هيئة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) وصلوا إلى القطاع للمشاركة في جهود الإغاثة، والبحث عن جثامين الرهائن المفقودين، ضمن مهام إنسانية متعددة تشمل نقل المساعدات وحماية وقف إطلاق النار.
ويأتي هذا التحرك في سياق الدور التركي الجديد في غزة، الذي بات يجمع بين البعد الإنساني والإشراف المدني ضمن ترتيبات إقليمية ودولية تهدف إلى تثبيت الاستقرار بعد شهور من الحرب المدمرة.
مهام متعددة وبيئة معقدة
وفق المصادر، تتولى فرق هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية مهام متداخلة تشمل نقل المساعدات الإنسانية، والمساهمة في عمليات الإغاثة، والبحث عن جثامين 19 رهينة لا تزال مفقودة داخل القطاع.
ورغم وضوح الإطار العام للمهمة، إلا أن الآليات التنفيذية ما تزال غير محددة بدقة، خصوصًا في ظل غياب هيكل إداري واضح للمرحلة الانتقالية التي يفترض أن تُدار تحت إشراف دولي.
وتشير المعلومات إلى أن مشاركة الجيش التركي في هذه العمليات غير مطروحة رسميًا، إذ يقتصر الدور على الفرق المدنية التابعة لآفاد، إلا أن احتمال تدخل القوات العسكرية في الدعم اللوجستي يبقى قائمًا في حال تطلبت الظروف ذلك.
آفاد: خبرة ميدانية تتجاوز الحدود
تُعد هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية من أبرز الأجهزة المتخصصة في عمليات البحث والإنقاذ على مستوى العالم، إذ راكمت خبرات واسعة من خلال تعاملها مع كوارث طبيعية كبرى داخل تركيا وخارجها.
فقد كانت فرق آفاد في الخطوط الأمامية خلال زلزال فبراير 2023 المزدوج الذي ضرب جنوب البلاد، وأودى بحياة أكثر من 53 ألف شخص، حيث أدارت عمليات معقدة في مناطق دُمّرت بالكامل.
كما تمتلك الهيئة سجلًا حافلًا في تنفيذ بعثات إغاثة وإنقاذ في أكثر من خمسين دولة حول العالم، من بينها الصومال واليمن والفلبين ونيبال والإكوادور وموزمبيق وتشاد، فضلًا عن الأراضي الفلسطينية ذاتها.
هذا الامتداد الإنساني منحها سمعة دولية كمؤسسة قادرة على التحرك في بيئات صعبة، وكمكوّن رئيسي من أدوات “القوة الناعمة” التركية.
الدور التركي بين الإغاثة والسياسة
يأتي انتشار الفرق التركية في غزة في مرحلة دقيقة تشهد فيها المنطقة إعادة رسم خريطة الأدوار المدنية والأمنية بعد اتفاق وقف الحرب.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها ترجمة عملية للتفاهمات الأخيرة التي جمعت تركيا مع كل من مصر وقطر والولايات المتحدة، والتي نصت على إسهام أنقرة في الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار.
إلا أن دخول تركيا إلى الميدان الغزّي عبر فرق مدنية يحمل أيضًا بعدًا سياسيًا غير مباشر، إذ يعزز موقعها كشريك موثوق في إدارة ما بعد الصراع، ويمنحها حضورًا فاعلًا في ترتيبات التهدئة التي تتبلور تحت إشراف دولي.
تحديات ميدانية واحتمالات مفتوحة
تواجه فرق آفاد تحديات كبيرة في أداء مهامها داخل غزة، أبرزها الدمار الواسع، وغياب البنية التحتية، واستمرار التوترات الأمنية رغم وقف إطلاق النار.
كما أن البحث عن جثامين الرهائن يجري وسط بيئة سياسية وأمنية حساسة، تتداخل فيها مهام إنسانية مع اعتبارات تفاوضية معقدة.
وبينما تسعى تركيا لتأكيد دورها الإنساني البحت، فإن وجودها الميداني في القطاع قد يُفسَّر من قبل بعض الأطراف كخطوة نحو تموضع سياسي جديد في معادلة غزة، لا سيما في ظل غياب سلطة مدنية واضحة.

