شهدت الساحة السياسية في تركيا تطورًا مفاجئًا صباح اليوم، حيث نفذت قوات الأمن عملية أمنية واسعة استهدفت شخصيات بارزة في بلدية إسطنبول الكبرى، من بينهم رئيس البلدية إكرم إمام أوغلو، إلى جانب مستشاره الإعلامي مراد أونغون، ومدير حملته الانتخابية نجدت أوزكان.
وأفادت مصادر بأن هذه الاعتقالات تأتي في إطار تحقيقات يجريها مكتب المدعي العام في إسطنبول بشأن شركتي “ميديا أ.ش” و”توافق المدينة” التابعتين للبلدية.
حملة اعتقالات واسعة بمشاركة مكثفة للشرطة
بدأت العملية الأمنية في ساعات الفجر الأولى، حيث قامت وحدات من الشرطة بمداهمة منزل إمام أوغلو في إسطنبول بمشاركة 20 سيارة أمنية، وفقًا لما أكده نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، جوخان غونايدين، عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي. ورافق هذه الحملة عمليات تفتيش واعتقالات طالت العديد من المسؤولين والموظفين في بلدية إسطنبول.
من جهته، أعلن مراد أونغون عبر منصاته الإلكترونية أنه قيد الاعتقال، مؤكدًا أن الهدف من هذه الحملة هو إسكات الأصوات الداعمة لإمام أوغلو. ووجه نداءً إلى المواطنين قائلاً: “اعتبارًا من هذه اللحظة، أصبح إكرم إمام أوغلو أمانة في عنق الأمة التركية. احموه، وساندوه، وادعموه!”.
كما شارك إمام أوغلو نفسه مقطع فيديو من داخل منزله، أدان فيه هذه التحركات الأمنية، معتبرًا أنها محاولة لسلب إرادة الشعب وإخضاع مؤسسات الدولة لأجندات سياسية.
بيان النيابة العامة: اتهامات بالإرهاب
وفي بيان رسمي، أعلنت النيابة العامة في إسطنبول أن الاعتقالات جاءت على خلفية تورط إمام أوغلو وبعض مسؤولي بلدية إسطنبول في دعم تنظيم “حزب العمال الكردستاني (PKK)” و”اتحاد المجتمعات الكردستانية (KCK)” عبر ما يُعرف بمشروع “توافق المدينة”، الذي تم تنفيذه خلال الانتخابات المحلية في 31 مارس 2024.
ووفقًا للبيان، فإن التحقيقات كشفت أن التنظيمات الإرهابية عملت على تعزيز نفوذها في المدن الكبرى، وعلى رأسها إسطنبول، من خلال التوجيهات الصادرة عن قيادات التنظيم، مثل “جميل بايك” و”مصطفى كاراسو”، عبر وسائل الإعلام الموالية لهم. وادّعت النيابة أن بلدية إسطنبول، برئاسة إمام أوغلو، أقامت تحالفات ضمنية مع هذه الكيانات عبر “مؤتمر الشعوب الديمقراطي (HDK)”، الذي يُنظر إليه على أنه مظلة سياسية للتنظيم الإرهابي، وذلك وفق تقارير صادرة عن إدارة مكافحة الإرهاب في مديرية الأمن العام التركية.
تداعيات الاعتقالات: اتهامات تطال أعضاء بلدية إسطنبول
تحدث البيان كذلك عن ارتباط عدد من أعضاء المجلس البلدي لبلدية إسطنبول بالمنظمات الإرهابية، مشيرًا إلى أن بعضهم تم تعيينهم قبيل الانتخابات المحلية مباشرةً. وكشف التحقيق أن عشرة من هؤلاء الأعضاء، بينهم نواب رؤساء بلديات مقاطعات مثل “عطاشهير” و”كارتال”، تم اعتقالهم مسبقًا بتهمة الانتماء لتنظيمات محظورة، فيما لا تزال التحقيقات جارية مع ثمانية آخرين.
كما أفادت النيابة بأن التحقيقات أظهرت أن “وكالة تخطيط إسطنبول” وشركة “BİMTAŞ”، التابعة للبلدية، وظّفتا أفرادًا لهم صلات بالتنظيم الإرهابي. واستنادًا إلى هذه التهم، أصدرت السلطات أوامر باعتقال سبعة شخصيات رئيسية، بينهم أكرم إمام أوغلو، والأمين العام المساعد للبلدية “ماهر بولات”، ورئيس بلدية شيشلي “رسول أكرم شاهان”، ورئيس “معهد الإصلاح” “محمد علي جاليشان”.
أبعاد سياسية وتوتر متصاعد
يأتي هذا التطور وسط أجواء سياسية متوترة في تركيا، حيث تُعتبر هذه الإجراءات جزءًا من حملة أوسع تستهدف قيادات المعارضة، خاصة بعد فوز إمام أوغلو في الانتخابات المحلية وتزايد شعبيته كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. وسبق أن تعرض إمام أوغلو لضغوط سياسية وقضائية متكررة منذ وصوله إلى رئاسة بلدية إسطنبول، إذ يراه الكثيرون كتهديد مباشر لسلطة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وفي حين تصرّ السلطات على أن التحقيقات تجري في إطار القانون ومكافحة الإرهاب، يرى مراقبون أن هذه التحركات تأتي في سياق تصعيد سياسي يهدف إلى تقويض نفوذ المعارضة، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات العامة القادمة.
مستقبل غامض في المشهد السياسي التركي
لا تزال تداعيات هذه الحملة الأمنية غير واضحة، لكن من المؤكد أن المشهد السياسي التركي مقبل على مرحلة جديدة من الاستقطاب والصراع، في ظل الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والمعارضة بشأن شرعية هذه الإجراءات. ومع استمرار التحقيقات، يُنتظر أن يكون لهذه التطورات أثر كبير على الخارطة السياسية في تركيا خلال الأشهر المقبلة، خاصة إذا ما تم توجيه لوائح اتهام رسمية ضد إمام أوغلو وفريقه.
في ظل هذه الأوضاع، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتحول هذه القضية إلى محطة جديدة في صراع القوى السياسية في تركيا، أم أنها مجرد حلقة أخرى في سلسلة المواجهات التي تشهدها البلاد بين الحكومة والمعارضة؟

