أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جدلاً واسعًا بعد قرار غير متوقع استهدف شركة “أناضول إفيس”، إحدى أكبر الشركات التركية العاملة في روسيا، حيث عين وصيًّا على الشركة التي تمتلك 11 مصنعاً و3 منشآت لإنتاج الشعير في روسيا.
القرار أثار تساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية والسياسية بين تركيا وروسيا والعلاقات الحساسة بين رئيسي البلدين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين.
خسائر مالية فادحة لشركة أناضول إفيس
قرار بوتين أدى إلى انهيار في أسهم شركة أناضول إفيس في بورصة إسطنبول، حيث فقدت أسهمها 20% من قيمتها خلال يومين فقط، لتنخفض من 245 ليرة إلى 199 ليرة، لتبلغ الخسائر الإجمالية للشركة حوالي 20 مليار ليرة تركية (حوالي 566 مليون دولار).
تعد أناضول إفيس جزءاً من إمبراطورية الأعمال التي يملكها رجل الأعمال التركي البارز تونجاي أوزيلهان، لكن القرار الأخير نقل حصص الشركة في روسيا إلى إدارة روسية مؤقتة، مما شكل ضربة موجعة للاستثمارات التركية هناك.
الأبعاد السياسية للقرار الروسي
يعتبر المراقبون أن هذا التحرك الروسي يتجاوز الإطار الاقتصادي ليصل إلى الرسائل السياسية. حيث إن روسيا التي دعمت نظام بشار الأسد في سوريا وجدت نفسها مضطرة لإعادة حساباتها في ظل التغيرات الميدانية، خاصة مع سيطرة هيئة تحرير الشام على مناطق واسعة بدعم غير مباشر من تركيا. ويرى محللون أن موسكو تستخدم الملف الاقتصادي للضغط على أنقرة، مع التركيز على قطاعي الطاقة والسياحة كأوراق رابحة في هذا النزاع.
ماذا يمكن أن تفعل موسكو أكثر؟
هناك مخاوف متزايدة من تصعيد روسي قد يتجاوز تعيين وصي على الشركات التركية. فيما يلي أبرز السيناريوهات المحتملة:
ملف الغاز الطبيعي
تمثل روسيا مصدراً رئيسياً للغاز الطبيعي إلى تركيا، حيث تصل ديون شركة “بوتاش” التركية لروسيا إلى أكثر من 30 مليار دولار. وفي حال قررت موسكو استخدام هذا الدين كورقة ضغط، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة طاقة خانقة في تركيا، خاصة خلال فصل الشتاء.
تعليق مشروع محطة أكويو النووية
تساهم روسيا بـ5 مليارات دولار سنوياً في مشروع محطة أكويو النووية في تركيا. وفي حال تعليق هذه المساهمة، قد يتسبب ذلك في اضطراب كبير في سوق العملات التركية وارتفاع جديد في سعر الدولار، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية.
السياحة الروسية
يمثل السياح الروس عنصراً أساسياً في قطاع السياحة التركي، حيث يزور تركيا حوالي 6.7 ملايين سائح روسي سنوياً، وينفقون أكثر من 4 مليارات دولار. أي تراجع في هذا العدد سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد التركي.
انعكاسات القرار على الاقتصاد التركي والمجتمع
التصعيد الروسي قد يؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في تركيا، حيث من المتوقع أن تشهد البلاد ارتفاعاً جديداً في معدلات التضخم وأسعار الغاز. ومع زيادة الأعباء الاقتصادية، سيتحمل المواطن التركي الفاتورة الأكبر، خاصة في ظل سياسات اقتصادية محلية لا تزال عاجزة عن توفير حلول ناجعة.
موقف الحكومة التركية
ورغم هذه التحديات، يبدو أن الحكومة التركية لم تستوعب بعد خطورة الموقف. فالإعلام الرسمي يركز على ما يوصف بـ”الانتصارات السورية” متجاهلاً تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية داخل تركيا.
تمثل الخطوة الروسية الأخيرة اختباراً جديداً للعلاقات التركية-الروسية، التي تتسم أصلاً بالتعقيد والتداخل بين المصالح الاقتصادية والسياسية. وفي ظل غياب استراتيجيات واضحة للتعامل مع هذه الأزمة، يبقى المواطن التركي الخاسر الأكبر في هذه المعادلة.