كشفت دراسة أن اقتراح زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، إتاحة المجال لعبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل للتحدث في البرلمان، والدعوة إلى ترك الكفاح المسلح، أثار جدلاً واسعًا في تركيا.
بهجلي الذي اشتهر بمواقفه الرافضة لحل القضية الكردية ودعواته لإغلاق الأحزاب الكردية، قد فاجأ الرأي العام بمقترحه الجديد الذي تضمن أن يعلن أوجلان عن حل الحزب ووقف نشاطاته المسلحة، في مقابل الاستفادة من “حق الأمل” الذي يمكن أن يخفف عقوبته.
تحفظ شعبي وتحليلات متباينة
وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة “بانوراما” البحثية بالتعاون مع عالم الاجتماع البارز البروفيسور مسعود ييغان، فإن دعوة بهجلي لم تلق قبولاً لدى الشارع التركي.
الاستطلاع، الذي شمل 2001 شخصاً خلال الفترة من 11 إلى 20 نوفمبر 2024 بهامش خطأ بلغ 3.1%، أظهر أن 72% من المشاركين يعتبرون هذه الدعوة “خاطئة”، بينما لم تتجاوز نسبة المؤيدين لها 18%.
ومن اللافت أن أكثر الفئات المعارضة جاءت من أنصار حزب العدالة والتنمية، حيث أظهرت النتائج أن 50.7% من هؤلاء يرون الدعوة غير صحيحة، في مقابل 36.3% ممن وافقوا عليها. وفي المقابل، حظيت دعوة بهجلي بدعم واسع من أنصار حزبه، حيث أيدها 62% منهم.
أما أنصار حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، فقد رفض 66.6% منهم الدعوة، بينما كانت المعارضة شبه كاملة من قبل أنصار حزب الشعب الجمهوري (CHP) بنسبة 87%.
دوافع وتفسيرات متعددة
رأى غالبية المشاركين أن دعوة بهجلي ليست سوى محاولة لتغيير الأجندة السياسية، حيث زادت نسبة من يعتقدون بأن هذه الدعوة مجرد خطوة مؤقتة لصرف الانتباه عن القضايا الأخرى من 52.9% في أكتوبر إلى 55.2% في نوفمبر.
وبالرغم من ذلك، فإن 47% من المشاركين أعربوا عن دعمهم لبدء عملية جديدة لحل القضية الكردية، بينما رفض 40% الفكرة.
القضية الكردية: بين الإنكار والاعتراف
أظهرت نتائج الاستطلاع أن 55.7% من المشاركين يعتقدون بعدم وجود قضية كردية في تركيا، في حين يرى 38.5% أن هناك قضية تحتاج إلى حل.
وعند سؤال المشاركين عما إذا كان نزع السلاح من قبل حزب العمال الكردستاني سيؤدي إلى حل القضية الكردية، أجاب 46.6% بأن ذلك لن يحل المشكلة، بينما أيد 32.7% هذه الفكرة.
ومن اللافت أن أنصار حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية هم الوحيدون الذين يرون أن نزع السلاح يمكن أن يؤدي إلى حل القضية، حيث أيد 43.7% من أنصار العدالة والتنمية و44.5% من أنصار الحركة القومية هذا الطرح. في المقابل، عارض 78.9% من أنصار الحزب الكردي هذا الرأي.
أما أنصار حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، فقد توافقوا على أن المشكلة لا يمكن حلها بنزع السلاح فقط، وهو رأي يشاركه أيضاً أغلبية الناخبين المترددين.
موقف أردوغان وتحفظه
منذ بداية هذه النقاشات، لفت انتباه المراقبين ابتعاد الرئيس رجب طيب أردوغان عن هذا المسار. ورغم أن الحكومة حرصت على تأكيد أن هذه المحادثات لا تمثل إعادة إطلاق لعملية “السلام” السابقة، فإن تحفظ أردوغان الواضح يثير تساؤلات حول مدى اقتناعه بجدوى هذه الخطوة في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
تُظهر النتائج أن المجتمع التركي لا يزال منقسماً بشأن كيفية حل القضية الكردية، وأن المبادرات التي تتعلق بعبد الله أوجلان أو حزب العمال الكردستاني تواجه تحفظات كبيرة من مختلف الفئات. وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان بإمكان الحكومة تطوير استراتيجية أكثر شمولية لإقناع جميع الأطراف بجدوى الحلول المقترحة.