في خطوة لافتة، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية (DFAT) تقريراً شاملاً عن الأوضاع السياسية والحقوقية في تركيا، سلطت فيه الضوء على حجم الانتهاكات التي يتعرض لها أعضاء “حركة الخدمة” (المعروفة أيضاً بـ”حركة كولن”) على يد النظام الحاكم بزعامة حزب العدالة والتنمية (AKP).
التقرير، الذي حمل طابعاً تحليلياً دقيقاً، وثّق كيف تحولت مزاعم الانتماء إلى الحركة إلى أداة لتبرير الاعتقالات التعسفية والتعذيب والتمييز الممنهج في حق الآلاف، داخل تركيا وخارجها.
حركة الخدمة تحت الخطر
في فقرة صريحة، تؤكد الوزارة الأسترالية أن أعضاء حركة الخدمة يواجهون “مستوى عالٍ من المخاطر”، سواء من خلال التمييز المجتمعي أو من خلال الملاحقة القانونية التي غالباً ما تفتقر إلى الأدلة المعتبرة.
وقد شملت هذه الممارسات التنكيل الوظيفي والاجتماعي وحتى الجسدي، ما وضع الآلاف في دائرة الاستهداف منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016.
تقدّر وزارة الخارجية الأسترالية أن أولئك المتهمين بالانتماء إلى حركة كولن معرضون لتمييز واسع النطاق، واعتقال تعسفي، وسوء معاملة في الحجز، دون ضمانات كافية للمحاكمة العادلة.”
ثانياً: الاعتقالات الجماعية والإقصاء الوظيفي: أرقام صادمة
منذ محاولة الانقلاب في 2016، سجّل التقرير سلسلة أرقام مفزعة عن حجم الملاحقات:
- 330 ألف شخص تم اعتقالهم مؤقتاً.
- 100 ألف تعرضوا للاحتجاز الرسمي.
- 12 ألفاً لا يزالون رهن الاعتقال.
- 67 ألفاً يخضعون لتحقيقات مستمرة.
- 130 ألف موظف حكومي أُقيلوا من مناصبهم.
- 5 آلاف أكاديمي تم طردهم.
- 50 مليار دولار من الأصول صودرت أو أُديرت من قبل الدولة، وفق مؤسسات دولية.
أدوات الإدانة: تطبيق “ByLock” والمصارف والمؤسسات المرتبطة بالحركة
اتهم العديد باستخدام تطبيق “ByLock” الذي اعتُبر دليلاً على الانتماء للحركة، رغم أن الادعاء العام التركي أقرّ لاحقاً أن 11,500 شخص أدرجوا خطأ في قائمة المستخدمين، ما أدى لإطلاق سراح قرابة ألف معتقل.
قانون الإرهاب التركي: سيف مسلط بتشريعات فضفاضة
سلّط التقرير الضوء على كيفية استخدام قوانين مكافحة الإرهاب ذات الصياغة الفضفاضة، خصوصاً المادتين 220 و314 من القانون الجنائي، لاستهداف الأفراد بناء على شبهات سياسية لا أدلة ملموسة، مذكرا بأن منظمات دولية مثل مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة وصفت هذه القوانين بـ”الواسعة والغامضة”.
وتابع التقرير أن قانون 6722 يمنح عملياً حصانة مطلقة للموظفين المدنيين والعسكريين المشاركين في عمليات “مكافحة الإرهاب”، ما يحول دون محاسبتهم حتى في حالات التعذيب.
التعذيب وسوء المعاملة: روايات دامغة
أشار التقرير إلى توثيق منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنيستي لوقائع مروّعة مثل الضرب المبرح، والتعذيب الجسدي، وحرمان من الغذاء والماء والرعاية الطبية، والاعتداءات الجنسية والتهديدات بالإعدام الوهمي، والتعذيب غالباً ما يجري في مراكز احتجاز غير رسمية وتحت إشراف أطباء، لافتًا إلى أن ضحايا التعذيب شملوا القضاة، والمدّعين، والضباط في الجيش والشرطة، والموظفين العموميين.
الإقصاء المجتمعي والاقتصادي
منع المفصولين من العمل في القطاعين العام والخاص، مع وسم سجلاتهم في أنظمة التأمين الاجتماعي، أدى إلى فقدان المزايا الصحية والتقاعدية، وسحب جوازات السفر، وطرد عائلاتهم من السكن الحكومي، وفرض حظر السفر ومصادرة أموال حتى على أفراد العائلة، وفقا للتقرير.
الاعتقالات تشمل القُصّر والطلاب: نهج لا يرحم
سُجّلت وقائع اعتقال مراهقين بتهم واهية:
- مايو 2024: اعتقال 14 طالباً تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً فقط لأنهم شاركوا في مجموعة دراسة أو ذهبوا إلى السينما معاً.
- 2023-2024: استمرار اعتقالات جماعية، بلغ عددها أكثر من 6,700 شخص خلال عام واحد فقط.
المنفى لا يمنع الاستهداف: ملاحقة دولية وعمليات اختطاف
كشف التقرير أن الحكومة التركية تمارس “ملاحقة غير قانونية” لمعارضيها في الخارج، حيث وقعت اختطافات في كينيا، وكوسوفو، والسودان، وأذربيجان، بإشراف جهاز الاستخبارات التركي(MİT).
التقرير الأسترالي تعرض أيضا لتقرير صدر من منظمة فريدوم هاوس Freedom House يوثق 58 عملية خطف منذ 2016 من 17 دولة، آخرها اختطاف 4 لاجئين مسجلين لدى الأمم المتحدة من كينيا في أكتوبر 2024، بينهم قريب مباشر من فتح الله كولن.
توظيف القضاء وتكميم الأفواه: قضايا “إهانة الرئيس” في صدارة الانتهاكات
وفق التقرير خضع160 ألف شخص لتحقيقات منذ 2014، 45 ألف قُدّمت بحقهم لوائح اتهام، في حين أن13 ألفاً أُدينوا، علما أن المستهدفين شملوا سياسيين، وصحفيين، وطلاباً، وأطفالاً، مشدداً على أن قانون المادة 299 يستخدم كأداة للرقابة الذاتية ونشر الخوف بين المواطنين.
حالة الطوارئ: تقنين الاستبداد وتعليق الدستور
كما ذكر التقرير استخدام حالة الطوارئ (2016–2018) لتمرير 32 مرسوماً تنفيذياً، سمح بموجبها بالحكم بقرارات تنفيذية دون رقابة برلمانية، وأدى إلى تعطيل دور القضاء، ومنح حصانة قانونية شاملة للمسؤولين المنفذين، فضلا عن إدخال قرارات لا علاقة لها بالطوارئ، مثل لوائح عن الإطارات الشتوية!
الرقابة والإعلام والتضييق الرقمي
خلال زلزال فبراير 2023، استُخدمت قوانين “مكافحة التضليل” لتكميم الأفواه على وسائل التواصل، وتم حجب “تويتر” لفترة، ما عرقل جهود الإنقاذ، بحسب تقرير وزارة الخارجية الأسترالية.

