في تطور لافت يسلّط الضوء على أزمة العدالة في تركيا، رفض رئيس هيئة المحكمة في قضية ما يعرف بـ”محاكمة الفتيات” رأي أحد أبرز علماء القانون الجنائي في البلاد، البروفيسور عزت أوزغنِش، والذي أكد أن لائحة الاتهام لا تتضمن أي عنصر يُشكّل جريمة.
وخلال جلسة المحكمة التي عقدت يوم الجمعة، اعتبر القاضي “ب.أ.” علنًا أنه “لا يوافق أبدًا” على آراء أوزغنِش، بل أضاف: “اشتريت كتابًا له في السابق… ومزقته لاحقًا”، في تصريح اعتبره خبراء القانون بمثابة “إفصاح عن الرأي القضائي مسبقًا” ما يُفقد المحاكمة أحد أهم مقومات العدالة: الحيادية.
أنشطة دينية وتعليمية تُدرج ضمن “أعمال إرهابية“
القضية التي تضم41 متهمة، غالبيتهن من الفتيات القاصرات، تدور حول اتهامات بالمشاركة في “أنشطة إرهابية” تتضمن صلوات جماعية، ودروس قرآن، وحصص تقوية، واحتفالات عيد ميلاد، وحتى لعب البولينغ!
ووفقًا للائحة الاتهام التي قُبلت في 8 يوليو 2024، فإن النيابة العامة اعتبرت هذه الأنشطة أدلة على الانتماء إلى حركة الخدمة التي تستلهم فكر الراحل فتح الله كولن، والمصنفة رسميًا من قبل الحكومة التركية كـ”منظمة إرهابية” منذ مايو 2016.
لكن البروفيسور أوزغنِش، وهو أحد واضعي القانون الجنائي التركي الحالي، شدد في رأيه القانوني المكتوب بأن كل هذه الأفعال محمية دستوريًا ولا تُعد جرائم بأي شكل.
إجراءات قضائية مشوبة بالخروقات
الجلسة الأخيرة لم تستغرق وقتًا طويلاً، إذ سبق استجواب جميع المتهمات في جلسات سابقة. وكان من المتوقع أن يُقدم الادعاء مذكرته الختامية، إلا أنه طلب تمديدًا، فقبلت المحكمة وأعادت الملف إلى النيابة، مما يشير إلى دخول القضية مرحلتها النهائية.
رغم ذلك، تواصلت المخالفات الإجرائية؛ حيث تغيب أحد أعضاء الهيئة القضائية الثلاثية عن جزء كبير من الجلسة، ما يثير تساؤلات جدية حول قانونية الإجراءات.
طلبات الدفاع بتمديد مرحلة التحقيق تم رفضها، كما لا تزال قرارات حظر السفرسارية على جميع المتهمات، رغم الإفراج عن آخر المحتجزات في الجلسة السابقة بعد أشهر من الحبس الاحتياطي.
قضية محط أنظار المجتمع الدولي
تحظى القضية باهتمام دولي واسع، إذ حضر ممثلون عن منظمات حقوقية كالاتحاد الإيطالي لحقوق الإنسان (FIDU)، والمركز الدولي للدين والدبلوماسية، ونقابة المحامين في باريس، لمراقبة سير المحاكمة.
رئيس الاتحاد الإيطالي، أنطونيو ستانغو، حضر جلسة سبتمبر 2024 ووصف المحاكمة بأنها “سياسية بامتياز”. كما اعتبرت الناشطة الحقوقية الأمريكية أندريا بارون، التي تابعت الجلسات في ديسمبر وفبراير، أن الاستجواب كان عدائيًا ومدفوعًا بأيديولوجيا متطرفة.
بارون وصفت لحظة محاكمة أم وابنتها معًا بأنها من “أكثر المشاهد المؤلمة”، وأضافت: “أن يُسأل الطلبة عن سبب دراستهم للرياضيات والقرآن معًا، فهذا يُعد انتهاكًا فاضحًا للحريات الأساسية في بلد يدّعي احترام الديمقراطية والحرية الدينية“.
خلفية القضية: “حركة كولن” والتصعيد بعد الانقلاب
تندرج هذه القضية ضمن حملة أوسع تشنها الحكومة التركية ضد من تتهمهم بالانتماء إلى حركة كولن، التي ألقت عليها مسؤولية محاولة الانقلاب في يوليو 2016، التي تصفها المعارضة بأنها كانت “مدبرة” من قبل الحكومة لتنفيذ حملة التصفية الشاملة المخطط سلفا. منذ ذلك الحين، تم توقيف آلاف الأشخاص وفصل عشرات الآلاف من وظائفهم بتهم الانتماء التنظيمي، اعتمادًا على أدلة فضفاضة وقوانين مكافحة الإرهاب واسعة التفسير.
المتهمات في القضية الحالية تم توقيفهن فجرًا في مايو 2024، ووفق شهادات، تم احتجازهن دون السماح لهن بالتواصل مع محامين أو أولياء أمورهن، وتعرض بعضهن للتهديد أثناء التحقيق.
الجلسة المقبلة: 27 يونيو
من المقرر عقد الجلسة التالية في 27 يونيو الجاري، حيث يُتوقع أن تقدم النيابة العامة مذكرتها النهائية، رغم أن صدور الحكم النهائي قد يتأخر إلى جلسة لاحقة.

