أعلنت وزارة الدفاع التركية، يوم الجمعة، فصل خمسة ملازمين حديثي التخرج وثلاثة ضباط قادة من القوات المسلحة التركية، وذلك بعد تحقيق أجرته بشأن تنظيمهم لمراسم أداء قسم تضمنت هتافًا علمانيًا خلال حفل التخرج الذي أقيم في 30 أغسطس المنصرم بالأكاديمية العسكرية التركية.
شمل القرار الطالبة الأولى على دفعتها، إبرو أروغلو، إلى جانب مجموعة من الضباط الذين قادوا زملاءهم في رفع سيوفهم أثناء ترديدهم شعار: “نحن جنود مصطفى كمال”، في إشارة إلى مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية ورمز العلمانية. كما تضمن الحفل أداء قسم يتعهد فيه الضباط الجدد بالولاء للمبادئ العلمانية والديمقراطية لتركيا، وهو جزء لم يكن مدرجًا في البرنامج الرسمي للتخرج.
ووفقًا لقرار مجلس الانضباط العسكري الأعلى، فقد اعتُبرت هذه التصرفات انتهاكًا للانضباط العسكري، فيما أكدت وزارة الدفاع أن قرارات الفصل جاءت “لحماية النظام والانضباط داخل الجيش”. وأضاف بيان للوزارة أنه “يجب أن يكون واضحًا أن أي تصرف يتعارض مع الانضباط العسكري لن يتم التسامح معه”.
ردود الفعل السياسية وتصاعد الجدل
أثار القرار موجة من الانتقادات الحادة من قبل المعارضة، حيث وصف زعيم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، أوزغور أوزل، عمليات الفصل بأنها “قرار مخزٍ”، متهمًا الحكومة بتسييس الجيش. وقال أوزل: “قول ’نحن جنود مصطفى كمال‘ لا يمكن أن يكون جريمة في الجيش الذي أسسه أتاتورك”. كما تعهد بإعادة الضباط المفصولين إلى مناصبهم دون أي خسائر في حال وصول المعارضة إلى السلطة، مشددًا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا القرار.
كما انتقد رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، القرار، واصفًا إياه بأنه “وصمة عار في التاريخ”، مشيرًا إلى أنه يعكس عدم احترام لذكرى جنود حرب الاستقلال الأتراك. وأضاف إمام أوغلو: “جيشنا هو جيش أتاتورك، ولن نترك ضباطنا وحدهم”.
أما زعيم المعارضة السابق، كمال كليتشدار أوغلو، فقد اعتبر القرار استهدافًا “ليس فقط لهؤلاء الضباط الشباب، بل لملايين الأتراك المؤمنين بمبادئ الجمهورية”. وقال: “إذا أصبح إعلان الولاء لأتاتورك جريمة، فهذا يعني أن أسس الجمهورية تتعرض للهدم. ولكن يجب أن يعرف الجميع أن أتباع أتاتورك لا يمكن طردهم أو إسكاتهم”.
من جانبه، انتقد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، يانكي باغجي أوغلو، وهو ضابط عسكري متقاعد، القرار بشدة، معتبرًا أنه “جرح كرامة الجنود الأتراك”. كما اتهم وسائل الإعلام الموالية للحكومة بشن حملة ممنهجة ضد الضباط المفصولين، متعهدًا باتخاذ إجراءات قانونية للطعن في قرارات الفصل أمام المحاكم الإدارية.
موقف الحكومة والسياق السياسي
الرئيس رجب طيب أردوغان سبق أن أشار في تصريحات له، في سبتمبر الماضي، إلى دعمه لاتخاذ إجراءات تأديبية بحق المشاركين في الواقعة، مؤكدًا أن الجيش “ليس مكانًا لمن يتصرفون بلا انضباط”، وأن من تورطوا في هذا الأمر “سيحاسبون”.
يأتي هذا القرار في ظل توترات مستمرة بين حكومة أردوغان والتيارات العلمانية في البلاد، حيث يرى المعارضون أن هذه الخطوة تندرج ضمن جهود أوسع لإعادة تشكيل الجيش وفق توجهات أكثر محافظة، فيما يدافع أنصار الحكومة عن القرار باعتباره ضروريًا للحفاظ على الانضباط العسكري بعيدًا عن الرموز السياسية.
التداعيات القانونية المتوقعة
من المتوقع أن يستأنف الضباط المفصولون قرار فصلهم أمام المحاكم، حيث يتوقع خبراء قانونيون أن تشهد القضية معركة قانونية مطولة قد تكون لها تداعيات أوسع على العلاقة بين الجيش والسياسة في تركيا.