في موقف أثار جدلاً سياسياً داخلياً وخارجياً، أعلنت تركيا رفضها التوقيع على خطة عمل من ست نقاط خلال قمة عقدت في العاصمة الكولومبية بوغوتا، كانت تستهدف اتخاذ تدابير قانونية ودبلوماسية جماعية ضد ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلّلت أنقرة قرارها بالخوف من تداعيات قانونية قد تمس نزاعاتها البحرية المستمرة مع اليونان في بحر إيجه.
تحفظات قانونية: اتفاقية قانون البحار في قلب الخلاف
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أكد في تصريحات يوم الجمعة أن بلاده أيدت “الإعلان السياسي العام” الصادر عن القمة، والذي أدان الانتهاكات الإسرائيلية، لكنها رفضت الانضمام إلى خطة العمل التفصيلية خشية أن تؤدي بعض بنودها إلى الإقرار الضمني باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، وهي اتفاقية لم تصادق عليها تركيا بسبب خلافاتها المزمنة مع اليونان حول السيادة البحرية في بحر إيجه وشرق المتوسط.
فيدان أوضح أن بعد مراجعة الخطة من قبل خبراء قانونيين ومؤسسات الدولة، تبيّن أن بعض الإجراءات المقترحة في الوثيقة قد تُستخدم لاحقاً ضد المصالح التركية في النزاعات البحرية، ما دفع أنقرة إلى الاكتفاء بدعم الوثيقة السياسية العامة مع تسجيل تحفظها القانوني رسمياً.
مضمون خطة العمل: حظر السلاح والملاحقة القضائية
خطة العمل المثيرة للجدل، والتي تبنتها 12 دولة هي: بوليفيا، كولومبيا، كوبا، إندونيسيا، العراق، ليبيا، ماليزيا، ناميبيا، نيكاراغوا، عمان، سانت فنسنت والغرينادين، وجنوب إفريقيا، تضمنت إجراءات ملموسة منها:
- حظر نقل الأسلحة إلى إسرائيل.
- منع السفن التي تنقل معدات عسكرية من استخدام الموانئ أو رفع أعلام الدول الموقعة.
- مراجعة العقود العامة لتحديد أي دعم محتمل للاحتلال.
- تفعيل مبدأ “الولاية القضائية العالمية” لمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة في الأراضي الفلسطينية.
كما حددت الوثيقة مهلة نهائية حتى 20 سبتمبر 2025 — بالتزامن مع افتتاح الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة — لانضمام دول أخرى للخطة وفق القرار الأممي A/RES/ES-10/24.
دفاع الحكومة التركية وانتقادات داخلية
هاكان فيدان ردّ على الانتقادات التي وجهها معارضون أتراك بشأن ما وصفوه “تناقضاً سياسياً”، متهماً إياهم بعدم فهم التعقيدات القانونية أو بمحاولة غير مباشرة لتبنّي الموقف اليوناني في شرق المتوسط. وأكد فيدان أن تركيا، منذ 7 أكتوبر، كانت في طليعة الدول التي قدمت مبادرات قانونية في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي دعماً لفلسطين.
ورغم هذا الدفاع، لا تزال المعارضة تتهم الحكومة بالنفاق السياسي، خاصة مع استمرار صادرات النفط إلى إسرائيل عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان (BTC)، وعدم إغلاق الموانئ التركية أمام السفن المتجهة لإسرائيل.
تركيا بين الخطاب والممارسة
ورغم صورة أنقرة الداعمة للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية، تتعالى أصوات المنتقدين الذين يرون أن الأداء السياسي التركي ما هو إلا “دبلوماسية استعراضية” لا تتجاوز التصريحات الخطابية، خصوصاً في ظل استمرار العلاقات الاقتصادية، وتحديداً في مجال الطاقة، بين تركيا وإسرائيل.
موقف دولي متزايد الضغط
خلال اختتام القمة، وصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيزي، خطة العمل بأنها “خطوة حيوية لإنهاء الإفلات من العقاب”، مضيفة: “هذه ليست مجرد تدابير، بل هي طوق نجاة لشعب يتعرض لهجوم لا يتوقف، وعالم ظل مشلولاً لفترة طويلة”.

