تشهد تركيا محاكمة تاريخية في مدينة أنطاليا، حيث يقف ثلاثة ضباط شرطة وطبيب أمام القضاء بتهم تتعلق بتعذيب معلم سابق أثناء احتجازه لدى الشرطة، في أول قضية تعذيب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016.
خلفية القضية
تتعلق القضية بادعاءات تعذيب أيوب برينجي، وهو معلم سابق تعرض للتوقيف بتهمة الانتماء إلى حركة “الخدمة” التي أسسها وقادها روحيا الراحل فتح الله كولن. جاءت هذه الاتهامات في أعقاب حملة اعتقالات واسعة استهدفت المشتبه في ارتباطهم بالحركة عقب محاولة الانقلاب.
يدعي برينجي أنه تعرض لاعتداء جنسي وضرب مبرح وإهانات خلال احتجازه في مركز شرطة أنطاليا، إلى أن أُغشي عليه نتيجة التعذيب، ونُقل إلى المستشفى، حيث تبين أنه يعاني من نزيف داخلي وتمزق في القولون بسبب تعرضه للضرب بعصا الشرطة.
اتهامات وتعقيدات قانونية
وجهت النيابة العامة في أنطاليا الاتهامات إلى ضباط الشرطة محسن توركل، وإبراهيم خليل قوشاق، وسليمان كونداكجي، بالإضافة إلى الطبيب فوزي يلماز، الذي يُتهم بالإهمال وعدم توثيق التعذيب.
وجاء في لائحة الاتهام أن برينجي، الذي أُدين لاحقًا بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية وحُكم عليه بالسجن نحو تسع سنوات، خضع لعملية جراحية بسبب إصاباته، ولم يُسمح لعائلته بزيارته أثناء تلقيه العلاج في المستشفى.
الطبيب، الذي كان من المفترض أن يوثق الإصابات الناتجة عن التعذيب، أشار في تقريره إلى أن الإصابات ناجمة عن سقوط برينجي من الدرج، وهو ما أثار استنكارًا واسعًا واتهامات بالتواطؤ.
إجراءات المحكمة والاعترافات الرسمية
عُقدت أولى جلسات المحاكمة في محكمة الجنايات العليا بأنطاليا، حيث قررت المحكمة تأجيل القضية إلى 18 أبريل لاستكمال الإجراءات.
تُعتبر هذه القضية علامة فارقة في معالجة قضايا التعذيب في تركيا، خاصة بعد أن قضت المحكمة الدستورية التركية في مايو 2021 بأن برينجي تعرض للتعذيب أثناء احتجازه، مما يمثل انتهاكًا لحقوقه. كما أمرت المحكمة بدفع 40 ألف ليرة تركية كتعويض له عن الأضرار التي لحقت به.
التحولات السياسية والتعذيب الممنهج
بعد محاولة الانقلاب، أصبحت حالات التعذيب وسوء المعاملة مسألة شائعة ومقلقة في تركيا، حيث تعرض آلاف الأشخاص للاعتقال بناءً على اتهامات بالإرهاب أو المشاركة في الانقلاب.
وأفاد تقرير للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، الذي زار تركيا في الفترة من 27 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2016، بأن التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة كانت منتشرة على نطاق واسع، مشيرًا إلى وجود فجوة خطيرة بين السياسة الحكومية المعلنة وتنفيذها الفعلي على الأرض.
تضمن التقرير شهادات متسقة عن تعرض المعتقلين للضرب المبرح، والركل، والإهانة، والتهديدات، والاعتداءات الجنسية أو التهديد بها، والحرمان من النوم، والاحتجاز في أوضاع مرهقة لفترات طويلة. كما وثّق حالات تعرض فيها المعتقلون للإجبار على خلع ملابسهم بالكامل، واستخدام أدوات لتعذيبهم جسديًا ونفسيًا.
أبعاد القضية
تفتح هذه المحاكمة نقاشًا أوسع حول حقوق الإنسان في تركيا وسيادة القانون في ظل القمع السياسي، كما تسلط الضوء على الأثر الذي تركته محاولة الانقلاب الفاشلة على البلاد، حيث أصبحت الانتهاكات الممنهجة للتعذيب جزءًا من الجدل السياسي والإنساني الدائر في تركيا.
في ظل هذه القضية، تتجدد التساؤلات حول إمكانية تحقيق العدالة لضحايا التعذيب في تركيا، ومدى قدرة النظام القضائي على محاسبة المتورطين في الانتهاكات، في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية لوضع حقوق الإنسان في البلاد.