أعلنت السلطات التركية، اليوم السبت، اعتقال 147 شخصًا خلال عشرة أيام من العمليات الأمنية التي استهدفت أشخاصًا يُشتبه في انتمائهم ودعمهم لحزب العمال الكردستاني المحظور، في وقت يعقد سياسيون أكراد لقاءات مع جميع الأحزاب السياسية من أجل تطوير حل مناسب للمشكلة الكردية في البلاد.
شملت العمليات 41 ولاية تركية، بما في ذلك مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، إضافة إلى مناطق جنوب شرق تركيا ذات الكثافة السكانية الكردية العالية.
وصرح وزير الداخلية، علي يرلي قايا، عبر منصة “إكس” بأن المحاكم قررت توقيف 30 من المشتبه بهم بتهم تتعلق بالإرهاب، بينما أُطلق سراح 17 آخرين تحت المراقبة القضائية، ولا تزال الإجراءات القانونية بحق المتبقين مستمرة.
يُصنّف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية من قِبل تركيا وحلفائها الغربيين، بعدما أطلق تمرده المسلح ضد الدولة التركية في عام 1984. وتواصل القوات الأمنية التركية تنفيذ عمليات دورية تستهدف الأشخاص المشتبه في ارتباطهم بالحزب، إلى جانب ملاحقة شخصيات سياسية موالية للأكراد الذين غالبًا ما ينفون أي صلة بالحزب.
في سياق متصل، نفذت قوات الأمن التركية، يوم الجمعة، مداهمة لمبنى مجلس بلدية في محافظة مرسين الجنوبية، حيث تم اعتقال رئيسي البلدية وأربعة من أعضاء المجلس المحلي المنتمين إلى حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب المعروف بدعمه للقضية الكردية.
تأتي هذه الاعتقالات وسط تزايد التكهنات حول إمكانية استئناف مفاوضات السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، في خطوة قد تسعى لتهدئة التوترات المتصاعدة في البلاد.
هاكان فيدان: نتحرك وفق خطط مدروسة وحسابات واقعية
من جانبه، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال اجتماعه مع ممثلي وسائل الإعلام في إسطنبول، أن تركيا تتعامل مع التطورات الأخيرة المتعلقة برسائل زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان بناءً على حسابات واقعية وليست افتراضية.
وصرح فيدان قائلاً: “لقد واجهنا سيناريوهات مماثلة في الماضي، واليوم نجد أنفسنا أمام نفس السيناريو بعد 11 عامًا. السؤال هو: هل سيتبعون أوجلان؟ هذا قرارهم. أما نحن كدولة، فنحن نتحرك وفق خطط مدروسة وحسابات واقعية”.
رسائل أوجلان وموقف الحزب
وأوضح فيدان أنه لا توجد أي تغييرات في وضع أوجلان، الذي لا يزال محتجزًا في جزيرة إمرالي، مشيرًا إلى أن حزب العمال الكردستاني سبق أن سرب معلومات عن المفاوضات السرية التي جرت بين زعيمه عبد الله أوجلان وحكومة حزب العدالة والتنمية، وحاك عديدا من المؤامرات لعرقلة تلك المفاوضات الرامية إلى تطوير حل للنضال الكردي المسلح أو القضية الكردية في البلاد، مما يثير التساؤلات حول مدى التزام الحزب بأوامر زعيمه.
وقال فيدان أيضًا: “في الماضي، دعا قائد التنظيم إلى التخلي عن السلاح ومغادرة الأراضي التركية، وبدأت تلك الخطوات فعلاً، لكن سرعان ما توقفت بذريعة الأزمة السورية. واليوم نرى تكرارًا لنفس السيناريو”، ثم أضاف: “نعتمد اليوم في تحليلاتنا على الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية، مع الالتزام بالقانون الدولي والقيم الإنسانية”.
السياسة التركية تجاه سوريا
وأشار فيدان إلى التحولات الجارية في سوريا، قائلاً: “لقد أنهى إخواننا السوريون حقبة من القمع استمرت 61 عامًا، وأسسوا لمرحلة جديدة. منذ عام 2011، تبنينا سياسة صبر استراتيجي في مواجهة التحديات والاعتداءات، وحرصنا على الدفاع عن الحق والعدالة والإنسانية. واليوم نعيش فخر الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ”.
وأكد فيدان أن تركيا بدأت بالفعل في دعم جهود إعادة الإعمار والتنمية في سوريا عقب سقوط النظام السوري، مشددًا على أن “قصتنا في سوريا لا تزال في بدايتها”.
التهديدات الأمنية
وحول العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، قال فيدان بوضوح: “لقد أوضحنا مرارًا أننا لا يمكننا التعايش مع مثل هذا التهديد. إما أن يتخذ الآخرون خطوات، أو سنتحرك نحن”.
كما رفض فيدان ربط الصراع مع وحدات حماية الشعب الكردية / حزب العمال الكردستاني بالكرد بشكل عام، قائلاً: “إذا لم يُربط داعش بالعرب، فلا يجب أن يُنظر إلى محاربة وحدات حماية الشعب / العمال الكردستاني على أنها حرب ضد الكرد. هذا المنظور غير صحيح”.
أكد فيدان أن تركيا ستستمر في استخدام كافة الوسائل المتاحة لضمان أمنها القومي، مع مراعاة القيم الإنسانية والالتزام بالقانون الدولي، مشيرًا إلى أن التطورات الحالية تتطلب مقاربات أكثر حذرًا واستراتيجية لضمان استقرار المنطقة.