أقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تغيير اسم إحدى شركات تعدين الذهب التي كانت تابعة لمجموعة “كوزا إيبك” القابضة، بعدما أمر بمصادرتها عام 2015 بسبب صلات مالكها بحركة الخدمة التي تستلهم فكر فتح الله كولن الراحل.
وأفادت تقارير صحيفة تركية أن الشركة التي كانت تُعرف باسم “كوزا ألتين إيشلتملري” (Koza Altın İşletmeleri)، وهي أول شركة لتعدين الذهب في تركيا، أصبحت تحمل الآن اسم (Türk Altın İşletmeleri Anonim Şirketi)، أي “الشركة التركية لتشغيل الذهب”.
خلفية عن الشركة والمصادرة
تعود ملكية مجموعة “كوزا إيبك” القابضة إلى رجل الأعمال أكين إيبك، الذي يعيش حاليًا في المنفى بالمملكة المتحدة، واستولت السلطات التركية على أصوله في 2015 ضمن حملة قمع واسعة النطاق استهدفت حركة الخدمة وأتباعها حتى قبل وجود ذريعة ما يسمى بـ”محاولة الانقلاب الفاشلة” في عام 2016.
وتتهم الحكومة التركية حركة الخدمة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016. إلا أن الحركة تنفي بشدة أي صلة لها بتلك الأحداث، وتطالب بتحقيق دولي في أحداث تلك الليلة والمتورطين فيها.
نقل الأصول إلى صندوق الثروة التركي
ذكرت وكالة “İHA” الإخبارية التركية في ديسمبر الماضي أن المجموعة، إلى جانب 11 شركة تابعة لها وقصر فاخر في أنقرة كان يُستخدم من قبل عائلة إيبك، تم نقلها إلى صندوق الثروة التركي (TVF) بموجب مرسوم أصدره أردوغان في أغسطس.
وكانت هذه الأصول، التي تشمل شركات كبرى مدرجة في بورصة إسطنبول، تُدار سابقًا من قبل صندوق تأمين الودائع التركي (TMSF) بعد مصادرتها. ويُعد نقل الأصول إلى صندوق الثروة تحولًا كبيرًا في إدارتها، حيث بقيت تحت سيطرة الدولة لمدة تقارب ثماني سنوات.
صندوق الثروة التركي، الذي يدير أصولًا تُقدر بأكثر من 300 مليار دولار وفقًا لتقرير عام 2022، يشرف عليه أردوغان شخصيًا بصفته رئيسه. أُنشئ الصندوق في عام 2016 عقب محاولة الانقلاب، بهدف توحيد الأصول الحكومية والاستثمار في المشاريع الاستراتيجية.
انتقادات للصندوق وأهدافه
يرى المراقبون أن صندوق الثروة التركي يفتقر إلى الشفافية ويُستخدم كأداة لتركيز السلطة الاقتصادية في يد إدارة أردوغان. وتشير الانتقادات إلى ضعف الرقابة المالية وغياب الشفافية في عملياته باعتبارها مصادر قلق رئيسية.
الحملة ضد حركة كولن
بدأ أردوغان استهداف أتباع حركة كولن عقب تحقيقات الفساد في ديسمبر 2013، التي تورط فيها وزراء وأبنائهم وأفراد من عائلته، لكن أردوغان وصف تلك التحقيقات بأنها مؤامرة قضائية من قِبل الحركة للإطاحة بحكومته، واتجه منذ 2013 إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية إعلاميا، ثم استصدر قرارا رسميا لوصفها بالإرهابية رسميا بعد وقوع محاولة الانقلاب المذكورة في 2016.
مصير عائلة إيبك
تواجه عائلة إيبك مصيرًا صعبًا نتيجة الحملة المستمرة ضد الحركة؛ فقد اعتُقل الابن تكين إيبك منذ أبريل 2016، في حين اعتُقلت والدته ملك إيبك البالغة من العمر 79 عامًا في نوفمبر 2021 لقضاء عقوبة بالسجن كانت قد صدرت بحقها وبحق ابنها في يناير من العام نفسه.
كانت ملك إيبك شخصية بارزة ومعروفة حتى في أوساط حزب العدالة والتنمية الحاكم، باعتبارها رائدة في الأعمال الخيرية، قبل أن تطالها حملة القمع.
التقرير حول المصادرات الممنهجة
كشف تقرير صدر العام الماضي بعنوان “مصادرة انتقامية ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية: حالة مجموعة كولن” عن حجم المصادرات الواسع للأملاك في تركيا، التي استهدفت الحركة. وبلغت القيمة الإجمالية للأصول المصادرة حوالي 50 مليار دولار، وشملت أكثر من 1.5 مليون شخص. وصف التقرير هذه المصادرات بأنها انتهاكات منهجية وواسعة النطاق للقوانين المحلية والدولية، تصل إلى مستوى “جرائم ضد الإنسانية”.
مصادرة شركة “كوزا – إيباك” الإعلامية
أصدرت السلطات التركية في 27 أكتوبر 2015 قرارًا بتعيين “وصي” على شركة “كوزا – إيباك” الإعلامية القابضة والشركات التابعة لها، في إطار الضغوطات التي مارستها على وسائل الإعلام المستقلة أو المعارضة اعتبارا من عام 2013 حيث طفت فضائح الفساد والرشوة إلى السطح، والتي تورط فيها أبناء أربعة وزراء أقالهم أردوغان من مناصبهم في وقت لاحق.
أقدمت قوات الأمن على محاصرة مبنى مجموعة “إيباك” التي كانت تضمّ تحت مظلتها مؤسسات إعلامية، مثل قناة بوجون تي في “Bugün TV”، وجريدة بوجون اليومية، وقناة ترك “Kanal Türk” ومحطة قناة ترك الإذاعية، وجريدة “ملّت” اليومية وغيرها. وقد اقتمحت القوات الأمنية مقر المجموعة في 28 أكتوبر 2015 ودخلت إلى المبنى بعد كسر بوابته الحديدية وإخراج الصحفيين العاملين فيه.
وقد استخدمت الشرطة خلال الاقتحام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والهراوات تجاه العاملين والمواطنين المحتجين، مما أسفر عن إصابة عشرات المواطنين والصحفيين التابعين لمختلف المؤسسات الإعلامية بجروح، بمن فيهم برلماني معارض، إضافة إلى اعتقال بعض الصحفيين، لتنتهي عملية الاقتحام بدخول شرطيين مدنيين إلى غرفة الإرسال عنوة وقطع أسلاك جهاز البثّ الفضائي للقناتين، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في تركيا والعالم على حد سواء، وعدّته منظمات صحفية محلية ودولية “انقلاباً دموياً على حرية الإعلام في تركيا”.
وفي 13 سبتمبر 2019 أصدرت محكمة التحكيم الدولية بإجماع آراء هيئة القضاة، بمن فيهم القاضي المعين من قبل تركيا، قرارًا أدانت فيه الحكومة التركية، مطالبةً إياها بتعويض قيمته 6 مليارات دولار، ووقفِ جميع الدعاوى القضائية والتحقيقات المحررة ضد الصحفيين في مجموعة وشركة إيباك الإعلامية ومسؤولي الشركة رفيعي المستوى والمحامين وأفراد عائلة إيبك، مع عدم منح الحكومة التركية حق الطعن على القرار، لكن السلطات التركية لم تمتثل لهدا القرار حتى اليوم.
وقد قال الكاتب الصحفي ورئيس القنوات التلفزيونية التابعة لمجموعة إيبك آدم ياوز أرسلان بعد قرار الوصاية والمصادرة على مؤسساتهم: “إن الرئيس أردوغان نجح نهاية عام 2015 في إسقاط لبنة قوية من صرح الإعلام وإزالة أول حجر عثرة في طريق الانقلاب المدبر الذي فتح له أبواب النظام الرئاسي الحالي”، على حد تعبيره.