في بيان مطوّل ومفصلي بمناسبة إحياء الذكرى الـ106 لانطلاق حركة الاستقلال التركية في 19 مايو 1919، قدّم رئيس حزب الحركة القومية (MHP) دولت بهجلي قراءة سياسية لمستجدات الساحة التركية، وعلى رأسها إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه، معتبراً أن تركيا انتقلت إلى “مرحلة جديدة” تتطلب استيعاباً هادئاً ومسؤولاً، وحواراً شاملاً بين المكونات السياسية.
حلّ الكردستاني… انتقال إلى “مرحلة دقيقة”
أكّد بهجلي أن إعلان العمال الكردستاني حلّ نفسه في 12 مايو 2025، والالتزام بإلقاء السلاح، يُعدّ منعطفاً بالغ الحساسية والدقة في مسار مكافحة الإرهاب. ورغم إشادته بالأثر الرمزي لهذا القرار، شدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب تيقظاً، ورفضاً لأي استفزاز أو سوء فهم قد يعيد إشعال التوتر.
وأشار إلى أن “تركيا، بقيادتها القوية، باتت قادرة على تمزيق دائرة الكراهية، وفتح ستار المستقبل على حقبة خالية من الإرهاب”، لكنه حذر من “الانجرار خلف المزايدات السياسية أو المواقف الانفعالية التي تفسد هذه الفرصة التاريخية”.
دعوة لتأسيس لجنة برلمانية لبناء “تركيا بلا إرهاب”
بهجلي قدّم اقتراحاً عملياً لإنشاء “لجنة وطنية لوحدة الصف ومجابهة الإرهاب” تحت اسم: “استراتيجية تركيا بلا إرهاب في القرن الجديد”، داعياً إلى تشكيلها تحت رئاسة رئيس البرلمان التركي بمشاركة ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية في البرلمان.
وحدد بهجلي ملامح هذه اللجنة في سبع نقاط أساسية:
- تشكيل اللجنة من 100 عضو بمشاركة 16 حزباً ممثلاً في البرلمان.
- ضمان تمثيل كل حزب بعضو واحد على الأقل.
- السماح لكل حزب بترشيح خبيرين تقنيين لدعم عمل اللجنة.
- ترك حرية تحديد آليات العمل للجنة ذاتها.
- تولي رئيس البرلمان رئاسة اللجنة.
- اتخاذ القرارات بالأغلبية المطلقة.
- إحالة توصيات اللجنة إلى اللجان المختصة والجلسة العامة للبرلمان.
تحذير من العودة إلى الاستقطاب
طالب بهجلي الجميع، من مسؤولين وسياسيين وإعلاميين، بـالتحلي بالهدوء والحس الوطني، محذراً من “السقوط في مستنقع المهاترات والمناورات السياسية التي تخدم أعداء الوطن”. وشدد على أن: “المشكلة لم تعد إرهاباً فقط، بل أصبحت معركة وجود، تتطلب شراكة شعبية وحكومية عابرة للانتماءات”.
تركيا الجديدة… بلا وساطة خارجية
رأى بهجلي أن نجاح تركيا في دفع الإرهاب إلى التراجع، دون وساطة أو ضغوط أجنبية، إنجاز غير مسبوق، يجب أن يتوج بإجماع سياسي وشعبي يحصّن مكتسبات الأمن القومي. كما اعتبر أن: “الاستراتيجية الجديدة هي بُشرى لمستقبل تركيا كقوة إقليمية ودولية قادرة على معالجة أزماتها بإمكاناتها الذاتية”.
توازن بين السلام والقوة
قال بهجلي إن “السلام الحقيقي لا يُبنى على شعارات أو تنازلات، بل على التوازن بين الأمن والعدالة، وبين الدولة والضمير الشعبي”. وأضاف أن: “السلام يحتاج إلى جناحين: أحدهما حكمة الدولة، والآخر تضحيات الشعب. وبدونهما، لا تُبنى الدول ولا تُصان السيادة”.
تركيا والعالم… دور ريادي قادم
ربط بهجلي بين التحولات الداخلية وبين الدور الإقليمي لتركيا، مشدداً على أن أنقرة باتت قادرة على أن تصبح مركزاً لتسوية النزاعات الإقليمية والدولية، في ظل ما وصفه بانهيار النظام الدولي القديم وولادة نظام جديد “تعيد فيه تركيا تموضعها من موقع الضحية إلى صانع الحلول”.
استدعاء الذاكرة التاريخية لـ 19 مايو
اختتم بهجلي بيانه باستدعاء رمزي لتاريخ 19 مايو 1919، مؤكداً أن بداية الكفاح من أجل الاستقلال آنذاك، يشبه كثيراً اللحظة التي تعيشها تركيا اليوم في سعيها نحو “مئوية بلا إرهاب”.
وشدد على أن تلك اللحظة التاريخية – بقيادة مصطفى كمال أتاتورك – كانت مثالاً على الدولة العميقة في وعيها، والشعب اليقظ في ضميره، داعياً إلى الاستلهام من ذلك النموذج في المرحلة الراهنة.
خاتمة: لا عودة إلى الوراء
ختم بهجلي بالقول: “السهم قد انطلق، والعودة إلى الوراء مستحيلة”. مؤكدا أن: “كل مؤامرة تستهدف اللحمة الوطنية ستُفشل، وكل محاولة لتشويه إنجازات الدولة ستُحبط، وأن تركيا ستبقى ملكاً لأبنائها دون استثناء، وستسير موحدة نحو مئوية جديدة بلا إرهاب، بلا وصاية، وبلا تردد”.، على حد قوله.

