أثارت حالات وفاة بسبب استهلاك الكحول المغشوش، والتي بلغت 38 وفاة خلال أربعة أيام، إلى جانب إصابة 46 شخصًا بحالات تسمم في إسطنبول، جدلًا سياسيًا متجددًا حول ارتفاع الضرائب على المشروبات الكحولية في تركيا.
تصاعد الوفيات بسبب الكحول المغشوش
أصبحت هذه الحادثة الأحدث في سلسلة من حالات التسمم بالكحول التي تتصدر عناوين الصحف في تركيا، علما أن ضرائب الكحول شهدت ارتفاعًا حادًا تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث فرض زيادات كبيرة على الضرائب المفروضة على المشروبات الكحولية منذ توليه السلطة.
وفقًا لتقارير إعلامية محلية، شرب بعض الضحايا الكحول المغشوش الذي تم بيعه في زجاجات مياه سعة نصف لتر مقابل 30 ليرة تركية (0.85 دولار) في مكان يُزعم أنه مطعم تركماني. وللمقارنة، يكلف شراء لتر من الراكي، المشروب الوطني التركي بنكهة اليانسون، من السوبرماركت حوالي 1,300 ليرة تركية (37.20 دولار) في وقت يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور 22,104 ليرة تركية (620 دولار).
الضرائب المرتفعة وتأثيرها على الإنتاج غير المشروع
هذه الأسعار المرتفعة، والتي تفوق أسعار الكحول في دول الاتحاد الأوروبي، دفعت إلى زيادة إنتاج الكحول المغشوش باستخدام مكونات سامة. وبحسب مصطفى آديغوزيل، عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، فإن “تركيا تفقد ما لا يقل عن 500 شخص سنويًا بسبب الكحول المغشوش. إنه قتل جماعي سببه الضرائب!”، على حد تعبيره.
وأكد آديغوزيل، خلال جلسة برلمانية، الحاجة الملحة لمراجعة أسعار الكحول “الفاحشة”، في حين أن البرلمان يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية ذو التوجه المحافظ والإسلامي.
إحصائيات ومواقف متباينة
تشير الإحصائيات إلى أن حالات التسمم بالكحول المغشوش ليست ظاهرة نادرة في تركيا، حيث ينتشر الإنتاج السري على نطاق واسع. وأوضح تشاغين تان إروغلو، الذي يدير منظمة ترصد السياسات العامة المتعلقة بالكحول، أن عدد الوفيات الناجمة عن التسمم بالكحول “يزداد تدريجيًا” مع استمرار الحكومة في رفع الضرائب نصف سنويًا.
في العام الماضي، أفاد مكتب حاكم إسطنبول بمصرع 48 شخصًا بسبب استهلاك الكحول المغشوش، فيما لم تقدم وزارة الصحة أرقامًا على المستوى الوطني رغم طلبات الإعلام.
سياسة الضرائب: العوائد المالية والضغوط الأيديولوجية
يرى إروغلو أن الحكومة تستفيد من الضرائب لجمع “أموال سهلة” بينما تمارس ضغوطًا سياسية على أسلوب حياة معين، مضيفًا: “الناس يموتون بسبب سياسات غير مسؤولة مدفوعة بوضوح بأهداف أيديولوجية”، بحسب رأيه.
منذ عام 2010، ارتفعت الضريبة المفروضة على الراكي بنسبة تزيد عن 2500%، وهو ما يفوق تأثير التضخم المرتفع، حيث تمثل الضرائب نحو 70% من تكلفة زجاجة الكحول. وأوضح أوزغور أيباش، رئيس جمعية متاجر “تيكل” (TEKEL) الحكومية، أن مثل هذا الارتفاع الضريبي غير مسبوق عالميًا، مردفًا: “حتى في أفخم المطاعم اليوم، يمكن أن تقدم الكحول المغشوشة”.
أبعاد اجتماعية وسياسية للسياسات الحكومية
رغم تأثير الضرائب المرتفعة، فإن نسبة مستهلكي الكحول في تركيا منخفضة، إذ أشارت إحصائيات المعهد التركي للإحصاء إلى أن 12.1% فقط من السكان يستهلكون الكحول، مع وجود فرق ملحوظ بين الجنسين: 18.4% من الرجال مقابل 5.9% من النساء.
الرئيس أردوغان، الذي يروج لمشروب “الآيران” المصنوع من اللبن كبديل وطني للراكي، قال في عام 2022: “نواصل رفع أسعار الكحول والسجائر… لكنهم لا يتوقفون عن استهلاكها”.
التوترات الثقافية والسياسية
أدت تصريحات أردوغان المتكررة ضد “السُكّيرين” إلى تفاقم الانقسامات الثقافية والسياسية في تركيا، وفقًا للمؤرخة أمينة إيفيريد، التي ألفت كتابًا عن الكحول في التاريخ التركي منذ العهد العثماني.
اعتقالات وتحذيرات دولية
على خلفية فضيحة التسمم الأخيرة، نفذت السلطات عدة اعتقالات. وصرح مكتب حاكم إسطنبول بأن “من يتسببون في وفاة الناس بإنتاج أو بيع الكحول المغشوش لا يختلفون عن الإرهابيين”. وفي الوقت نفسه، أصدرت عدة دول أوروبية تحذيرات سفر حول مخاطر الكحول المغشوش في تركيا.
تبرز هذه الحادثة النقاش الحاد حول الضرائب المرتفعة في تركيا وتأثيرها على الصحة العامة والاقتصاد غير الرسمي، مما يعكس صراعًا أعمق بين السياسات الحكومية وأنماط الحياة الاجتماعية.