تقرير: ياوز أجار
مع تصاعد التوترات في سوريا، بات العنف الطائفي يشكل محورًا خطيرًا يهدد تماسك المجتمع السوري، ويفرض تحديات معقدة على الأقليات الدينية والعرقية في البلاد. وقد أثارت تصريحات الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، التي قال فيها “إن التصعيد الحالي مع العلويين كان متوقعا”، جدلًا واسعًا، إذ تساءل البعض عمّا إذا كان ذلك سوء تقدير أم قراءة دقيقة لمآلات الأوضاع المتوترة.
الأقليات في مواجهة العنف والتغيرات السياسية
يشكل العلويون، إلى جانب المسيحيين والأكراد والدروز، جزءًا لا يتجزأ من النسيج السوري، إلا أن هذه الفئات تجد نفسها اليوم في قلب معادلة أمنية وسياسية معقدة. فمع استمرار العمليات العسكرية التي تنخرط فيها أطراف متعددة، من قوات سوريا الديمقراطية إلى الفصائل المدعومة من تركيا، مرورًا بالجيش السوري الجديد، تتزايد مخاوف هذه الأقليات من أن تجد نفسها ضحية لتحولات غير محسوبة.
وفي هذا السياق، يعود القلق الطائفي إلى جذور تاريخية، لعل أبرزها ما ورد في وثيقة “نداء العلويين” التي وجهها مشايخ الطائفة إلى المندوب السامي الفرنسي في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي تعكس مخاوف قديمة متجددة من غياب الضمانات الكافية لحماية الأقليات. واليوم، يتجدد هذا القلق مع تصاعد العنف الطائفي، الذي يجعل الأقليات في موقف حرج بين القوى المتصارعة، وسط غياب رؤية سياسية واضحة تضمن حقوقها وتحمي وجودها.
التدخلات الإقليمية: المصالح فوق المبادئ
لا يمكن فهم المشهد السوري دون النظر إلى الأبعاد الإقليمية التي تؤثر فيه بشكل مباشر. فإيران، التي سعت دائمًا لتعزيز نفوذها في سوريا، تجد في توتر العلاقة بين العلويين والفصائل المعارضة فرصة لتعزيز وجودها، خاصة أن الطائفة العلوية تُعد ركيزة أساسية لنظام بشار الأسد، الذي يشكل امتدادًا لمصالحها الاستراتيجية.
على الجانب الآخر، تلعب تركيا دورًا حيويًا في دعم الفصائل المسلحة المعارضة، وهو دور يتداخل مع تطلعاتها الإقليمية، لاسيما فيما يتعلق بملف الأكراد، حيث تنظر أنقرة إلى أي تحرك كردي في سوريا بعين الريبة. في ظل هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن الأقليات تجد نفسها بين فكي كماشة، إذ تُستخدم كورقة ضغط في صراع يتجاوز حدود سوريا ليصبح جزءًا من التنافس الإقليمي بين طهران وأنقرة، وربما قوى دولية أخرى.
مقارنات مع التجارب الإقليمية: دروس من العراق ولبنان
التجربة السورية ليست معزولة عن تجارب دول أخرى في المنطقة، مثل العراق ولبنان، حيث فشلت المحاولات السابقة في تحقيق توازن حقيقي بين الطوائف. ففي العراق، أدى انهيار نظام صدام حسين إلى فراغ أمني وسياسي استغلته قوى طائفية لترسيخ نفوذها، ما أدى إلى تصاعد العنف الطائفي. أما في لبنان، فقد أثبت نظام المحاصصة الطائفية أنه ليس حلًا مستدامًا، بل كان سببًا في تعزيز الانقسامات الداخلية وتأجيج الأزمات السياسية والاقتصادية.
من هنا، يبرز التساؤل المحوري: هل يمكن لسوريا أن تتجنب المصير ذاته، أم أنها تسير في الطريق نفسه نحو حالة من الانقسام الطائفي الذي يعيد إنتاج السيناريوهات الفاشلة في دول الجوار؟
نحو حل مستدام: الحاجة إلى رؤية شاملة
الوضع في سوريا اليوم يتطلب أكثر من مجرد إجراءات أمنية أو اتفاقات ظرفية بين القوى المتصارعة؛ إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار دون مشروع سياسي واضح يضمن تمثيلًا حقيقيًا للأقليات، ويضع حدًا لاستغلالها في الصراعات الداخلية والإقليمية. فالتجارب السابقة تؤكد أن أي تسوية لا تأخذ بعين الاعتبار الهواجس الطائفية والعرقية، مصيرها الفشل، وهو ما يحتم على الفاعلين المحليين والدوليين البحث عن حلول مستدامة تضمن التعايش السلمي بين جميع المكونات السورية.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تمتلك الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية الإرادة السياسية الكافية لإنهاء دوامة العنف الطائفي، أم أن المصالح الضيقة ستظل تتقدم على حساب استقرار سوريا ومستقبل أبنائها؟
إن الدول الإقليمية مثل إيران وتركيا، لم تتمكن حتى الآن من حل المشكلات التي تواجهها المكونات المختلفة من حيث اللغة والمذهب والدين داخل أراضيها عبر دستور ديمقراطي يقوم على المساواة. لذا لا يمكن أن يُتوقع من الدول الخاضعة لنفوذهما أن تحل مشكلات مماثلة في المستقبل القريب. إن انتظار ذلك ليس سوى ضرب من الأوهام البعيدة عن الواقع.

