تقرير: ياوز أجار
في تحول لافت على المشهد السوري، وقّع أمس الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي اتفاقًا يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما يشمل المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
هذا الاتفاق، الذي يأتي في لحظة حساسة، لا يعكس فقط تحولات في موازين القوى الداخلية، بل يثير تساؤلات حول تداعياته على التوازنات الإقليمية والدولية، خاصة فيما يتعلق بعلاقة دمشق مع أنقرة وطهران وواشنطن.
أسباب الاتفاق ودوافعه: حسابات معقدة بين الشرع و”قسد”
يأتي هذا الاتفاق في ظل أزمة متعددة الأوجه تواجهها حكومة أحمد الشرع، لا سيما في محافظات الساحل السوري، التي شهدت اضطرابات أمنية كبيرة خلال الأيام الأخيرة. وقد كشف الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز أن نحو 200 عنصر أمني قُتلوا خلال هذه الاشتباكات، متهمًا وحدة عسكرية موالية لماهر الأسد، بالإضافة إلى “قوة أجنبية” لم يحددها صراحةً، لكنها تلميح واضح إلى إيران، التي لا تزال سفارتها مغلقة في دمشق، في مؤشر على تصدّع العلاقات بين الطرفين.
في ظل هذا الوضع المعقد، يبدو أن دمشق اختارت تقديم تنازلات للأكراد لضمان دعمهم العسكري والسياسي في مواجهة التحديات الداخلية، وخاصة في الساحل، حيث يتزايد الضغط الأمني على النظام الجديد. في المقابل، رأى الأكراد، الذين سعت دمشق إلى تهميشهم، فرصة نادرة لإضفاء الشرعية على وضعهم السياسي والإداري، وهو ما جعلهم يدخلون الاتفاق بشروط تضمن لهم نفوذًا داخل أجهزة الدولة.
ما الذي يربحه الأكراد من الاتفاق؟
- اعتراف رسمي محتمل بالإدارة الذاتية: على الرغم من أن الاتفاق ينص على دمج مؤسسات الإدارة الذاتية ضمن مؤسسات الدولة، فإن الواقع السياسي يشير إلى أن الأكراد حصلوا على اعتراف فعلي بدورهم في حكم شمال شرق سوريا.
- السيطرة على الثروات الطبيعية بمظلة قانونية: تضمن الاتفاق بقاء المعابر وحقول النفط والغاز تحت سيطرة الدولة، لكن إدماج الأكراد في إدارة هذه الموارد يعني أنهم لن يُقصَوا من عائدات النفط والغاز، التي شكلت أساسًا لتمويل “قسد”.
- حماية عسكرية من تركيا: يُشكل هذا الاتفاق درعًا سياسيًا وعسكريًا أمام أي هجوم تركي محتمل، حيث إن استهداف “قسد” بعد إدماجها في الجيش السوري قد يُعقّد الموقف التركي، خاصة في ظل الاعتراض الأمريكي لمثل هذه الخطوة. لكن في حال نجاح الدمج بشكل كامل فإن هذه الخطوة من شأنها أن تحصل على دعم تركيا أيضًا حيث ترفض تأسيس حكم كردي خاص مستقل عن الدولة السورية. ولا أستبعد شخصيا أن يكون قد جرى هذا الاتفاق بين الأكراد وسوريا في إطار تشاور مع صناع القرار التركي الذين يرفضون التوجهات الانفصالية ويسعون إلى حل القضية الكردية على أراضيهم.
- ضمان موقع سياسي في المرحلة الانتقالية: عبر هذه الشراكة، يسعى الأكراد إلى ترسيخ وجودهم في النظام السوري الجديد، وهو ما قد يفتح لهم الباب أمام مكاسب سياسية ودستورية طويلة الأمد.
كيف يمكن أن يؤثر الاتفاق على العلاقات مع تركيا؟
بالنظر إلى أنقرة، التي تعتبر “قسد” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، فإن هذا الاتفاق من المرجح أن يثير ردود فعل قوية من الحكومة التركية. يمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة كما يلي:
- تصعيد عسكري تركي: قد تعتبر أنقرة هذا الاتفاق تهديدًا مباشرًا لها، خاصة إذا استمر وجود وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) كوحدة عسكرية مستقلة داخل الجيش السوري. من المحتمل أن ترد تركيا عبر تكثيف هجماتها في شمال سوريا أو الضغط لشن عملية عسكرية جديدة.
- تفاوض دبلوماسي جديد مع دمشق: في ظل المتغيرات الجديدة، قد تسعى أنقرة إلى إعادة فتح قنوات الحوار مع حكومة الشرع، في محاولة للحصول على ضمانات بعدم استخدام الأراضي السورية كقاعدة لنشاطات حزب العمال الكردستاني.
ماذا عن الولايات المتحدة؟
واشنطن، التي لطالما دعمت “قسد” في مواجهة داعش، قد تجد نفسها في موقف معقد. فمن جهة، قد ترحب بالاتفاق باعتباره وسيلة لضمان عدم انهيار الإدارة الكردية بعد الانسحاب الأمريكي المتوقع. لكن من جهة أخرى، فإن تعزيز علاقة “قسد” بدمشق قد يقلل من النفوذ الأمريكي في شمال شرق سوريا. وبالتالي، قد تلجأ واشنطن إلى:
- زيادة دعمها المالي والعسكري لقسد لمنعها من الاعتماد كليًا على دمشق.
- الضغط على تركيا لعدم التصعيد، خشية أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار شمال سوريا بالكامل.
- التفاوض مع دمشق وروسيا لضمان بقاء بعض القواعد الأمريكية في المنطقة، خاصة في مناطق النفط.
التحديات التي تواجه تنفيذ الاتفاق
رغم الإعلان عن الاتفاق، لا تزال هناك تحديات كبيرة قد تعرقل تنفيذه، ومنها:
- كيفية دمج القوات الكردية ضمن الجيش السوري: هل ستظل وحدات حماية الشعب ككيان مستقل، أم ستتم إعادة هيكلتها بالكامل؟
- موقف العشائر العربية في شمال شرق سوريا: بعض القبائل العربية في دير الزور والرقة قد ترفض هذا الاتفاق إذا رأت أنه يعزز النفوذ الكردي على حسابها.
- مدى قدرة الشرع على تنفيذ الاتفاق وسط الضغوط الداخلية، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها في الساحل السوري.
خاتمة: خطوة نحو الاستقرار أم بداية لموجة صراع جديدة؟
يُعد الاتفاق بين الشرع وعبدي خطوة كبيرة في إعادة تشكيل المشهد السوري، حيث يعكس رغبة دمشق في إعادة فرض سيطرتها على الأراضي السورية بصفقات سياسية بدلاً من المواجهات العسكرية المباشرة. لكنه في الوقت نفسه يُشكل تحديًا جديدًا للعلاقات مع تركيا، ويفتح الباب أمام حسابات إقليمية ودولية معقدة.
يبقى السؤال الأهم: هل سيؤدي هذا الاتفاق إلى استقرار طويل الأمد في شمال سوريا، أم أنه مجرد محطة انتقالية في صراع لا يزال مفتوحًا على جميع الاحتمالات؟