في تحذير صارخ، يكتب الصحفي التركي آدم ياووز أرسلان أن ما تشهده الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب يمثل لحظة فارقة في التاريخ الأميركي، تُقوّض فيها أركان النظام الديمقراطي ذاته. فمع تصاعد العسكرة في الفضاء المدني، وتقييد المعارضة السياسية، وتجاوز الصلاحيات الفيدرالية للحدود الدستورية، تبدو أميركا وكأنها تودّع جمهوريتها التعددية لتدخل عهداً جديداً من “القيادة الفردية”، أو كما يسميه البعض: السلطوية المقنّعة.
مشهد غير مسبوق: الديمقراطية الأميركية تحت الحصار
يشير أرسلان إلى مشاهد لم يكن يتخيل أحد رؤيتها في واشنطن: سناتور يُعتقل بوحشية أمام الكاميرات، دبابات تجوب الشوارع، والحرس الوطني يُنزل إلى الميادين دون موافقة حكام الولايات. ما حدث مع السناتور أليكس باديّاخلال محاولته مساءلة وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، حيث تم تكبيله أرضًا على يد عناصر فيدرالية، ليس مجرد حادث معزول؛ بل مؤشّر واضح على انتقال الولايات المتحدة من مرحلة التآكل السياسي إلى انتهاك صريح لمبادئ الديمقراطية.
استعراض القوة… عيد ميلاد أم عرض سلطوي؟
يلفت أرسلان النظر إلى الاستعراض العسكري الذي تم في شوارع العاصمة واشنطن، بمناسبة “مرور 250 عامًا على تأسيس الجيش الأميركي”. لكن هذا العرض يتزامن بدقة مع عيد ميلاد ترامب الـ79، ما يجعله بالنسبة لكثيرين خطوة رمزية هدفها إظهار “من هو الزعيم القوي“.
ويذكر الكاتب أن ترامب لطالما عبّر عن إعجابه بالعروض العسكرية الفرنسية، لكنه واجه معارضة من البنتاغون في ولايته الأولى. أما الآن، وقد أحاط نفسه بولاءٍ أعمى، فلا شيء يمنعه.
هذا المشهد، برأي أرسلان، ليس مجرد عرض وطني بل بروباغندا سلطوية تهدف لتثبيت صورة “الزعيم الأوحد”، بأساليب تذكر بممارسات الأنظمة الشمولية.
احتجاجات واسعة: “لا للملك… لا للتاج“
في المقابل، تستعد المعارضة الأميركية لتنظيم أوسع حركة احتجاج منذ إعادة انتخاب ترامب. ويُتوقع أن تشمل التظاهرات أكثر من 2000 مدينة وبلدة أميركية، تحت شعار: “لا عرش، لا تاج، لا ملك“
واختار المحتجون أن تكون نقطة الانطلاق من مدينة فيلادلفيا، مهد الاستقلال الأميركي، في تلميح مباشر لروح الجمهورية الأولى. في المقابل، تحرّك حكّام موالون لترامب مثل غريغ أبوت (تكساس) لنشر الآلاف من الحرس الوطني والشرطة قبيل المظاهرات، ما يثير تساؤلات عميقة حول تحول أدوات الدولة إلى أدوات قمع سياسي.
إرسال الجيش دون إذن حكام الولايات: سابقة خطيرة
من أخطر المؤشرات، بحسب أرسلان، إرسال القوات الفيدرالية إلى كاليفورنيا دون موافقة الحاكم غافن نيوسوم، وهو إجراء لم تشهده البلاد منذ الستينات.أُرسل نحو 2000 من الحرس الوطني و700 من مشاة البحرية، لقمع احتجاجات ضد مداهمات وكالة الهجرة والجمارك ICE.
وزير الدفاع بيت هيغسِث لمّح صراحة إلى إمكانية تكرار السيناريو في ولايات أخرى، مقللاً من شأن سلطة المحاكم أو الحكومات المحلية، قائلاً: “القضاة المحليون لا يحددون السياسات الخارجية أو الأمن القومي.”
هذا التآكل التدريجي للمؤسسات الضابطة يعتبره أرسلان ناقوس خطر لا يخص أميركا وحدها، بل يمثل تحدياً عالمياً للديمقراطيات الليبرالية.
قضية باديّا: صورة مصغّرة لأزمة كبرى
حادثة اعتقال السناتور أليكس باديّا في مؤتمر صحفي دون أي سند قانوني أو برلماني تُعدّ – كما يصفها أرسلان – كسراً سافراً للمبدأ الديمقراطي القائم على الفصل بين السلطات. هذه الواقعة لم تثر فقط استياء زميلته كامالا هاريس، بل فتحت باباً واسعاً للشك في مدى استقلالية الأجهزة الفيدرالية عن السلطة التنفيذية.
من الديمقراطية إلى الشعبوية المتطرفة
يرى أرسلان أن ما يجري ليس مجرد انزلاق نحو اليمين، بل هو تحول جذري في الفهم الأميركي للسلطة والحكم. فـ”مبدأ الأمة تحت القانون” بدأ يُستبدل تدريجياً بـ”الأمة تحت الزعيم”، على غرار أنظمة يعتقد الأميركيون أنها لا تمثلهم.
والمثير للقلق أن هناك شرائح شعبية واسعة، خصوصًا من مناصري ترامب، تقبل هذه التحولات بحماسة، بل تعتبرها استعادة للهيبة والقوة. أما المعارضون، فيُوصمون بأنهم “أعداء الأمة” أو “عملاء الفوضى“.
رسائل تتعدى الحدود: لماذا علينا أن نهتم؟
يختم أرسلان مقاله بتحذير مهم:” ما يجري في أميركا ليس شأناً داخلياً صرفًا.فصعود السلطوية في قلب أقوى ديمقراطية في العالم يؤشر لتحول عالمي. القوانين تُخرق، والقضاء يُهمّش، والإعلام يُقيد، والمؤسسات الأمنية تُسيس… وهذه كلها مظاهر ألفنا رؤيتها في أنظمة غير ديمقراطية، لكنها باتت اليوم علامات مقلقة في الديمقراطية النموذجية للعالم.
خلاصة
يحذر الكاتب آدم ياووز أرسلان من تحوّل الولايات المتحدة إلى نموذج سلطوي ناعم تحت غطاء وطني، ويعتبر أن عسكرة الداخل وتهميش الديمقراطية باتا حقائق ملموسة يجب التنبه لها قبل فوات الأوان.

