في إطار الرد الأميركي على التهديدات الحوثية، أمرت الإدارة الأميركية بتنفيذ سلسلة ضربات جوية مكثفة استهدفت ست محافظات يمنية، من بينها العاصمة صنعاء، مساء السبت، واستمرت حتى مطلع الفجر. ووفقًا لوسائل إعلام موالية للحوثيين، أسفرت هذه الضربات عن مقتل 31 شخصًا على الأقل، فيما لم تعلن الجماعة المدعومة من إيران عن سقوط قيادات بارزة في صفوفها، رغم أن البيت الأبيض أعلن يوم الأحد مقتل قيادات حوثية “أساسية” خلال الضربات.
مع الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة ضد مواقع تابعة لجماعة الحوثيين، شهدت الأزمة اليمنية تصعيدًا جديدًا. وقد جاءت هذه الضربات، التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ردًا على تهديدات الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، في سياق تصاعد التوترات الإقليمية نتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض على المساعدات المتجهة إلى غزة.
الأهداف الاستراتيجية للضربات الأمريكية
تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه العمليات العسكرية إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية. فمن ناحية، تهدف إلى تقويض القدرات العسكرية للحوثيين وتقليل تهديداتهم للملاحة الدولية، خاصة في البحر الأحمر، الذي يعد ممرًا استراتيجيًا للتجارة العالمية. ومن ناحية أخرى، تأتي هذه الضربات في إطار سياسة الردع الأمريكية تجاه النفوذ الإيراني في المنطقة، لا سيما أن طهران تُعد الداعم الرئيسي للحوثيين من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي لهم.
الرد الحوثي والتداعيات المحتملة
في المقابل، رد الحوثيون على الهجمات الأمريكية بشن ضربات صاروخية وطائرات مسيرة استهدفت، وفقًا لبيانهم، حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس هاري ترومان” والقطع البحرية المرافقة لها في البحر الأحمر. ويشير هذا التصعيد إلى أن الجماعة لا تزال تمتلك قدرات هجومية متطورة، مما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية مجرد الضربات الأمريكية في تقويض بنيتهم العسكرية. كما أن استمرار التصعيد العسكري قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع ليشمل مناطق أوسع في المنطقة.
الموقف الأمريكي وردود الفعل الدولية
أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن العمليات العسكرية ضد الحوثيين ستستمر حتى يتم وقف هجماتهم على السفن والطائرات الأمريكية. ويعكس هذا التصريح توجهًا أمريكيًا نحو تبني سياسة الحزم في التعامل مع التهديدات الحوثية، لكن دون وجود استراتيجية واضحة للخروج من التصعيد العسكري.
في المقابل، أبدت إيران موقفًا حادًا تجاه الضربات الأمريكية، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيواجه برد مناسب. ومن جانبها، حثت الأمم المتحدة جميع الأطراف على ضبط النفس، محذرة من أن استمرار العمليات العسكرية قد يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، التي تعاني بالفعل من أوضاع إنسانية كارثية بسبب النزاع المستمر منذ سنوات.
الانعكاسات الإقليمية والدولية
يؤكد هذا التصعيد العسكري أن اليمن لا يزال يشكل ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى الحد من النفوذ الإيراني، بينما تستمر طهران في تعزيز موقف الحوثيين كجزء من استراتيجيتها الإقليمية. كما أن استهداف البحر الأحمر، وهو أحد أهم الممرات البحرية العالمية، قد يؤدي إلى اضطرابات في التجارة الدولية، مما قد يدفع القوى الكبرى إلى التدخل لمحاولة احتواء الأزمة.
منحى المواجهة بين الطرفين
يعد التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة والحوثيين مؤشرًا على تعمق الأزمة اليمنية ضمن صراعات النفوذ الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من أن الضربات الأمريكية تهدف إلى ردع التهديدات الحوثية، إلا أن الرد الحوثي يؤكد أن الجماعة لا تزال تمتلك قدرة على التصعيد، مما يزيد من تعقيد المشهد. وفي ظل غياب حل سياسي شامل، يظل اليمن مسرحًا لتجاذبات القوى الدولية والإقليمية، مع استمرار تدهور الوضع الإنساني في البلاد. يظل السؤال المطروح: هل ستنجح الضغوط الدولية في احتواء الأزمة، أم أن المواجهة ستأخذ منحىً أكثر اتساعًا في المستقبل القريب؟

