تجمع اليوم الآلاف من أتباع فتح الله كولن، القائد الروحي لحركة الخدمة، إلى جانب أفراد عائلته وأصدقائه، لتوديعه إلى دار الخلد، بعد وفاته في 20 أكتوبر من الشهر الحالي في مستشفى بولاية بنسلفانيا الأمريكية.
كولن، الذي ألهم حركة اجتماعية عالمية تُعرف باسم “الخدمة”، توفي عن عمر يناهز 83 عامًا بسبب مشاكل صحية متعددة مرتبطة بتقدمه في السن في مستشفى سانت لوك. ويُقام الآن حفل تأبين في ملعب “سكاي لاندز” في مقاطعة ساسكس، نيوجيرسي.
وبعد مراسم التأبين، سيتم دفن كولن في مركز “تشستنَت ريتريت” في سايلورسبورغ، بنسلفانيا، حيث قضى آخر 25 عامًا من حياته بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة عام 1999 في منفى اختياري. ومن المتوقع أن يشارك في مراسم الدفن دائرة أصغر من العائلة والأصدقاء المقربين.
سافر أتباع كولن، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، من جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأجزاء أخرى من العالم، حيث اصطفوا في طوابير طويلة لدخول الملعب بعد ظهر يوم الخميس.
فرضت السلطات الأمريكية إجراءات أمنية مشددة في الملعب، بينما كان هناك طائرة مروحية تحلق فوق الحشد خلال المراسم.
السنوات الأخيرة من حياة كولن كانت مليئة بالاتهامات من قبل الحكومة التركية، ما أدى إلى حملة قمع واسعة ضد أتباعه الفعليين والمحتملين على حد سواء. اتهمته حكومة حزب العدالة والتنمية بتدبير تحقيقات فساد في عام 2013 ومحاولة انقلاب في يوليو 2016. وبعدما كان كولن يشاد به بسبب أنشطة حركته في مجالات التعليم والحوار بين الأديان والعمل الخيري، وصفت الحكومة كولن وأتباعه بأنهم “إرهابيون” في مايو 2016.
كولن وأتباعه نفوا بشدة أي تورط في محاولة الانقلاب أو الأنشطة الإرهابية. تستمر الحكومة التركية في حملة القمع ضد أعضاء الحركة في الداخل والخارج، من خلال الاعتقالات والترحيل أو التسليم من الدول الأجنبية. تم اعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص بتهم تتعلق بالانقلاب؛ وفُصل أكثر من 130,000 موظف مدني يُشتبه في دعمهم له؛ كما تم طرد أكثر من 23,000 شخص من الجيش. بالإضافة إلى إغلاق مئات الشركات والمدارس ووسائل الإعلام المرتبطة بكولن.
تم تغطية وفاة كولن بشكل واسع من قبل وسائل الإعلام التركية والدولية، حيث استخدمت العديد من المنافذ التركية لغة عدائية في تغطيتها لوفاته، متبنية الرواية الحكومية عن دوره المزعوم في محاولة الانقلاب.
حلقت وكالة الأناضول الحكومية بطائرات مسيرة فوق مركز “تشستنَت ريتريت” حيث سيتم دفن كولن، وكان مراسلوها يحاولون جمع تفاصيل حول استعدادات الجنازة.
تعهدت الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان بمواصلة حملتهما ضد الحركة في ضوء وفاة كولن، واعدين باستهداف أتباعها في تركيا وخارجها.
لم توجه أي تهم جنائية لكولن في الولايات المتحدة، ورفضت الحكومات الأمريكية طلبات تركيا لتسليمه بسبب عدم كفاية الأدلة ضده. وأدان كولن باستمرار الإرهاب ومنفذي الانقلاب.
أصدرت منظمة “تحالف القيم المشتركة”، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك ومرتبطة بكولن، بيانًا في وقت سابق من هذا الأسبوع أكدت فيه أن “إرث كولن يتجاوز الظروف التي عاشها”، مشددة على أنه كان “مفكرًا دينيًا وفكريًا رائعًا سيستمر تأثيره عبر الأجيال”، على حد وصفها.
من هو فتح الله كولن؟
وُلد فتح الله كولن في أبريل 1941 في محافظة أرضروم شرق تركيا لأسرة متدينة، حيث كان والده إمامًا. منذ سن مبكرة درس القرآن الكريم وتأثر بآراء العلامة بديع الزمان سعيد النورسي. عمل كولن إمامًا في مساجد تديرها الدولة من 1959 إلى 1981، وخلال هذه الفترة واجه العديد من التحقيقات، وقضى وقتًا في السجن بتهمة “نشر دعاية دينية ومعادية للعلمانية”.
برز كولن كواعظ كاريزمي في الستينيات في إزمير، المعروفة بأنها معقل العلمانية في تركيا، حيث اجتذبت خطبه حشودًا كبيرة. وكان يشجع أتباعه ومحبيه على إنشاء دور سكن للطلاب ومدارس، على نهج يجمع بين العقل والقلب، على حد تعبير كولن نفسه.
استجابة لنصيحته، أسس أتباع كولن شبكة واسعة من المدارس في تركيا وخارجها، حيث امتد تأثيرهم إلى الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى، والبلقان، وأفريقيا، والغرب. بالإضافة إلى المدارس، تدير حركته مراكز دروس خصوصية وجمعيات حوار بين الأديان ومنظمات خيرية عالميًا، رغم إغلاق بعضها بسبب ضغط الحكومة التركية.
تمت مصادرة أو إغلاق العديد من الشركات ووسائل الإعلام المرتبطة بكولن من قبل الحكومة التركية بعد محاولة الانقلاب، بدعوى التهديد الذي شكله الانقلاب، رغم تعرضها لاتهامات باستخدام الانقلاب كذريعة لقمع الحركة.
يذكر أن مجلة “تايم” اختارت كولن في عام 2013 كواحد من أكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم، علمًا أن كولن ألف أكثر من 100 كتاب حول الروحانية والحوار بين الأديان، وقد تُرجمت كتبه إلى العديد من اللغات.