توفي الإمام المتقاعد حسام الدين كارادنيز، البالغ من العمر نحو 60 عامًا، في سجن كيرشهر التركي، حيث كان محتجزًا منذ عام 2021 بعد أن أيدت محكمة الاستئناف العليا حكمًا بحبسه لمدة ست سنوات وثلاثة أشهر بتهم تتعلق بانتمائه إلى حركة الخدمة التي كان يقودها الراحل فتح الله كولن.
تفاصيل القضية والاعتقال
كارادنيز، الذي كان يعمل إمامًا وتقاعد منذ سنوات، تم اعتقاله عام 2021 بعد صدور حكم نهائي ضده على خلفية اتهامه بالانتماء إلى حركة الخدمة التي تصنفها حكومة حزب العدالة والتنمية “إرهابية”.
ورغم إصابته بمرض سرطان الغدد الليمفاوية أثناء وجوده في السجن، قوبلت جميع طلبات تأجيل تنفيذ العقوبة أو الإفراج الصحي عن الإمام كارادنيز بالرفض من قِبل السلطات القضائية.
نقله بين السجون وظروفه الصحية
بسبب أعمال صيانة في سجن يوزغات، تم نقل كارادنيز إلى سجن كيرشهر حيث قضى الأشهر الأخيرة من حياته، بعد أن تقرر الإفراج عنه في مايو 2025، أي بعد أربعة أشهر فقط من تاريخ وفاته.
دوره المجتمعي قبل الاعتقال
حسام الدين كارادنيز كان معروفًا بدوره البارز في خدمة المجتمع؛ ففي عام 2012، تولى رئاسة جمعية بناء مسجد مركز قضاء قاضي شهير في ولاية يوزغات. وقاد جهود بناء مسجد كبير على مساحة 700 متر مربع وبسعة تصل إلى ثلاثة آلاف مصلٍ، ما جعله يحظى بتقدير واسع في منطقته.
الجنازة والدفن
ترك كارادنيز خلفه ولدين وأسرة مكلومة على رحيله، ومن المقرر أن يُدفن جثمانه في مسقط رأسه بقضاء قاضي شهير التابع لولاية يوزغات، حيث يعكف أهله وأصدقاؤه على تنظيم مراسم جنازته.
جدل حول أوضاع السجناء المرضى في تركيا
تثير وفاة كارادنيز تساؤلات جديدة حول الأوضاع الصحية للسجناء المرضى في تركيا، لا سيما أولئك المعتقلين على خلفيات سياسية. إذ تواجه الحكومة انتقادات متزايدة من منظمات حقوقية دولية ومحلية بسبب عدم مراعاتها للظروف الصحية الحرجة لبعض السجناء، ورفضها منحهم الإفراج الصحي الذي تكفله القوانين الدولية والمحلية.
وفاة الإمام المتقاعد في السجن تأتي لتسلط الضوء مجددًا على معاناة السجناء المرضى في تركيا، وسط دعوات مستمرة لمراجعة سياسات الاحتجاز وتطبيق معايير أكثر إنسانية تتماشى مع الحقوق الأساسية للمعتقلين.
خلفية الاتهامات ضد الحركة
بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان يستهدف أتباع حركة الخدمة التي تستوحي فكر فتح الله كولن الراحل عقب تحقيقات الفساد في ديسمبر 2013، التي تورط فيها ثلاثة وزراء وأبناؤهم وأفراد من عائلة أردوغان، لكن الأخير وصف تلك التحقيقات بأنها مؤامرة قضائية من قِبل الحركة للإطاحة بحكومته، واتجه منذ ذلك الحين إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية “إعلاميا”، ثم استصدر في 2016 قرارا “رسميا” لوصفها بالإرهابية، حيث اتهمها هذه المرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة. غير أن الحركة نفت كل هذه الاتهامات ووصفت الأحداث الفوضوية في ليلة الانقلاب بـ”الحرب النفسية” و”عمليات الراية المُزيفة” (false flag) يقف وراءها أردوغان نفسه ليتمكن من خلق أرضية لاتهاماته الجاهزة، ووصم الحركة بالإرهابية، وبالتالي تصفية الجنرالات المعارضين لمشاريعه العسكرية في سوريا وعموم العالم العربي والإسلامي، بتهمة الانتماء إلى هذه المنظمة الإرهابية المزعومة.
يذكر أن مصطلح “الراية المزيفة” يُستخدم لوصف عمليات سرية تُنفذها جهة معينة بحيث يتم إخفاء الهوية الحقيقية للمنفذين وتوجيه التهمة لمجموعة أو دولة أخرى، بهدف خلق انطباع بأن الطرف الذي تم اتهامه زورًا هو من قام بالعمل، وذلك لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية أو استخباراتية. تُستخدم هذه الاستراتيجية في الغالب للتأثير على الرأي العام أو لتبرير أفعال وعمليات معينة لا يسمح لها الدستور والقوانين ولا يسوغها الجمهور في العادة.
وكان أردوغان قال صراحة عقب إعلانه حالة الطوارئ في البلاد بعد أسبوع من إحباط ما سمي بمحاولة الانقلاب الفاشلة بدعوى التصدي لـ”الانقلابيين”: “لقد حصلنا في ظل حالة الطوارئ على القدرة والإمكان من أجل تنفيذ كثير من الإجراءات التي لا يمكن أن نجريها في الظروف والأوقات العادية”، على حد قوله.
الإجراءات التي أعقبت الانقلاب
أعلنت الحكومة حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب، وأصدرت مراسيم طارئة أدت إلى فصل أكثر من 130,000 موظف حكومي، بالإضافة إلى 24,706 من أفراد القوات المسلحة، إلى جانب عشرات الآلاف من المدنيين، بزعم ارتباطهم بـ”منظمات إرهابية”، علمًا أن هذه المراسيم لم تخضع لأي رقابة قضائية أو برلمانية.
وخلال السنوات الأخيرة، خضع أكثر من 705,172 شخصًا لتحقيقات بتهم تتعلق بالإرهاب أو محاولة الانقلاب بسبب علاقتهم المزعومة بالحركة. وبلغ عدد المعتقلين حاليا في قضايا مرتبطة بالحركة حوالي 13,251 شخصًا، بين محتجزين على ذمة المحاكمة أو مدانين بتهم الإرهاب.
بين يونيو 2023 ويونيو 2024 فقط، نفذت السلطات التركية 5,543 عملية أمنية، أسفرت عن اعتقال 1,595 شخصًا على صلة بالحركة. بالإضافة إلى أعداد المعتقلين، اضطُر العديد من أتباع الحركة إلى الفرار من تركيا هربًا من حملة القمع الحكومية.