يواصل الأكاديميون وعلماء السياسة والشخصيات الرياضية والسياسية من مختلف أنحاء العالم التعبير عن مشاعرهم تجاه فتح الله كولن، القائد الروحي لحركة الخدمة، عقب وفاته في الولايات المتحدة في 20 من أكتوبر المنصرم.
وفي هذا الإطار، نشر الموقع الرسمي للبرلمان الأسترالي مقالا للنائب ناثان هاغارتي بعنوان “تحية إجلال لفتح الله كولن”، أشاد فيه الأدوار التي تلعبها حركة الخدمة في شتى المحالات في أستراليا وكل أنحاء العالم.
وقال هاغارتي: “على الرغم من الضغوط التي تعرضت لها حركة الخدمة خلال العقد الماضي في تركيا، فإنها نجحت في التحول إلى شبكة عالمية. حيث أسست مدارس ومؤسسات خيرية ومنظمات ثقافية تدعم التعليم والإغاثة والحوار بين الثقافات. إن الفلسفة الأساسية لحركة الخدمة مبنية على الخدمة والاحترام المتبادل بين الثقافات، وقد وجدت هذه الفلسفة مكانًا قويًا في البيئة الأسترالية المتعددة الثقافات والأديان، مما يبرز الأهمية العالمية لرؤية فتح الله كولن.”
وفيما يلي النص الكامل لمقال النائب ناثان هاغارتي بعنوان “تحية إجلال لفتح الله كولن” كما ورد على الموقع الرسمي لبرلمان ولاية نيو ساوث ويلز.
السيد ناثان هاغارتي
تحية إجلال لفتح الله كولن
أعرب عن تقديري لرحيل فتح الله كولن، رجل امتد تأثيره إلى ما هو أبعد من الحدود، ووصل إلى مجتمعات حول العالم، بما في ذلك أستراليا. نحن نعيش في عالم أصبح أكثر تجانسًا. من “نتفليكس” إلى “ماكدونالدز”، ومن “كوكاكولا” إلى “إنستغرام”، هناك قواسم مشتركة بين تجاربنا الحديثة تجمعنا أكثر من أي وقت مضى، ولكن هذا قد يقلل أيضًا من مساحة الأصوات الفريدة. ومع تجاوز عدد سكان العالم الآن ثماني مليارات نسمة، فإن قدرة فرد واحد على النهوض وإحداث تأثير عميق على المجتمع يعكس الكثير عن شخصيته ورؤيته وإخلاصه. كان فتح الله كولن أحد هذه الشخصيات.
وُلد في قرية كوروجوك قرب أرضروم في تركيا، وكان كولن عالما إسلاميًا، ومفكرًا تربويًا، وإمامًا. نشأ في أسرة مسلمة متدينة، وتأثر بتعاليم التصوف وفلسفة الإسلام التي تقوم على التسامح وخدمة الآخرين. في شبابه درس العلوم الإسلامية وأصبح إمامًا، وسرعان ما اكتسب شهرة من خلال خطبه التي ركزت على التعليم، والحوار بين الأديان، والمسؤولية الاجتماعية. تعكس إسهاماته رؤية تجاوزت الحدود التقليدية، مدفوعة بالالتزام بالتعليم، والحوار، والرحمة. دعا كولن إلى فلسفة تخدم الإنسانية، تقوم على التفاهم بين الثقافات، والسلام، والتماسك الاجتماعي. لقد لاقت أفكاره صدى واسعًا بين الملايين حول العالم، وألهمت مشاريع ومدارس ومؤسسات تعكس مبادئه.
في السبعينيات، أطلق كولن حركة عُرفت باسم “الخدمة”، التي تروج لفلسفة خدمة الإنسانية، حيث يُشجع أتباعها على المساهمة في المجتمع من خلال التعليم، والمشاريع الاجتماعية، والحوار بين الأديان. وحثّ كولن أتباعه على إنشاء مدارس ومراكز ثقافية ومنظمات إنسانية حول العالم. نمت الحركة بشكل كبير وركزت على تفسير معتدل للإسلام ودعمت السلام، والتسامح، والتعايش. وعلى الرغم من حملات القمع ضد الحركة في موطنها تركيا خلال العقد الماضي، فإن حركة الخدمة أصبحت شبكة عالمية، حيث أسست مدارس وجمعيات خيرية ومنظمات ثقافية تدعم التعليم والإغاثة والحوار بين الثقافات.
تمثل حركة الخدمة فلسفة تقوم على الخدمة واحترام الثقافات المتبادلة. وقد وجدت مكانًا مرحبًا به في المشهد الأسترالي المتعدد الثقافات والأديان، مما يثبت الأهمية العالمية لرؤية كولن.
إن انتشار حركة الخدمة ملفت للنظر. العديد من المبادرات التعليمية والخيرية تواصل إرث كولن، من خلال بناء مجتمعات قائمة على الاحترام المتبادل، والنمو الفكري، والتعاطف. هنا في أستراليا، كان للحركة تأثير ملحوظ، مع مدارس وجمعيات ومراكز مكرسة لترسيخ القيم التي تبناها كولن. من بين هذه المؤسسات: “مؤسسة جالاكسي” و”المنظمة الأسترالية للإغاثة”، اللتان توفران الدعم الأساسي والتنمية للمجتمعات والأفراد المحتاجين. كما يمثل “أكاديمية العلوم الإسلامية والبحث” إرثًا آخر من إرث كولن، حيث تكرس جهودها لتعزيز الحوار بين الأديان ودعم الدراسات العلمية التي تبني جسور التفاهم وتعزز الوحدة.
كلية “أميتي”، التي تمتلك فروعًا في أنحاء نيو ساوث ويلز، تُعد مثالًا على رؤية كولن في مجال التعليم. وأنا محظوظ بوجود فرعين من هذه الكلية في دائرتي الانتخابية. وعلى مقربة من مكتبي في ليبنغتون يقع الفرع الأحدث، الذي حظيت بشرف افتتاحه رسميًا هذا الشهر. على مر الأجيال، أنتجت هذه المدارس أفضل وألمع أبناء مجتمعي، محققة تفوقًا أكاديميًا، ومعززة قيم التعاطف والوعي العالمي التي تعكس تعاليم كولن.
ومن الشواهد الأخرى على إرث كولن المحلي “مؤسسة التفاهم بين الثقافات”، التي يقودها ابن عمي العزيز أحمد بولات. تعمل المؤسسة على تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، من خلال المؤتمرات، والندوات، وموائد الإفطار، حيث تجمع بين أشخاص من خلفيات ثقافية ودينية متنوعة في روح من الوحدة والتفاهم. تعكس هذه التجمعات، سواء كانت فعاليات عامة كبرى أو لقاءات منزلية حميمة، التزامًا بالحوار الذي يندر وجوده ولكنه ضروري في عالمنا اليوم.
على الرغم من رحيل فتح الله كولن، سيستمر تأثيره في تشكيل حياة عدد لا يحصى من الناس. تعيش تعاليمه من خلال المؤسسات والمجتمعات التي ألهمها، سواء في مجتمعي أو خارجه. في وقت يبدو فيه العالم أكثر انقسامًا، تبقى رؤيته لعالم أكثر تناغمًا وتعليمًا وتعاطفًا ليست فقط ذات صلة بل ضرورية.