بقلم: بنيامين تكين
في واقعة هزت الأوساط السياسية والإعلامية، قُتل المُبلّغ التركي البارز جميل أونال (41 عامًا) في عملية اغتيال نفذها مسلح مجهول في ريجسفاك، إحدى ضواحي لاهاي في هولندا، مساء الخميس الماضي. أونال كان قد كشف عن شبكة واسعة لغسل الأموال ودفع الرشاوى تربط شمال قبرص التركية بدائرة الرئيس رجب طيب أردوغان.
تفاصيل الجريمة
وفقًا للشرطة الهولندية، اقترب المسلح من أونال الجالس في شرفة أحد الفنادق، وأطلق عليه عدة رصاصات من مسافة قريبة، قبل أن يفر إلى منطقة مشجرة قريبة. السلطات الهولندية خصصت فريقًا مكوَّنًا من 20 محققًا، معتبرةً الحادث جريمة قتل مستهدفة.
من الذراع المالي إلى المُبلّغ
اشتهر أونال سابقًا بصفته المستشار المالي لرجل المافيا القبرصي التركي المقتول خليل فاليالي، المعروف بلقب «ملك المراهنات» في شمال قبرص. في أعقاب اغتيال فاليالي عام 2022، وُصف أونال بأنه «أحد العقول المدبرة» للجريمة، وصدر بحقه إشعار أحمر من الإنتربول.
هرب أونال إلى هولندا، حيث اعتُقل أواخر 2023، لكنه أنكر تورطه بقتل فاليالي، مؤكدًا أنه تحول إلى كبش فداء بسبب معرفته بتفاصيل فساد رفيعة المستوى. رفضت المحاكم الهولندية تسليمه إلى تركيا خشية تعرضه للتصفية، وأُطلق سراحه في مارس 2025، ليبدأ في كشف تفاصيل شبكة فساد عابرة للحدود.
شبكة الجريمة العابرة للحدود
في سلسلة مقابلات مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، كشف أونال أن شبكة غير مرخصة للمراهنات الإلكترونية كانت تدرّ أكثر من 80 مليون دولار شهريًا، تُغسَل عبر حسابات بنكية ومحافظ عملات رقمية وشركات واجهة حول العالم. وأوضح أن 15 مليون دولار شهريًا كانت تُدفع كرشاوى لمسؤولين نافذين في تركيا وشمال قبرص، عبر متاجر ذهب وصرافة لتبييض الأموال.
أسماء وازنة وفضائح مدوية
اتهم أونال مسؤولين كبارًا مثل وزير الداخلية الأسبق سليمان صويلو ونائب الرئيس السابق فؤاد أوقطاي بتلقي الرشاوى. كما تحدث عن شراء مجموعة فاليالي لعقارات من عائلة مساعد أردوغان، مقصود سيريم، بأسعار مضخمة كنوع من الرشوة، فيما أُرسل نجله، ياسين أكرم سيريم، لاحقًا سفيرًا لشمال قبرص لاستعادة أرشيف «أشرطة الابتزاز» التي جمعها فاليالي.
أشرطة الابتزاز المفقودة
وفق أونال، أُعيدت 40 من أصل 45 شريطًا إلى أنقرة، بينما اختفت خمسة، يُقال إنها تضم تسجيلات محرجة لأقارب مسؤولين كبار، مثل أرقم يلدريم نجل رئيس الوزراء الأسبق بن علي يلدريم، وخالد فيدان، ابن رئيس المخابرات السابق ووزير الخارجية الحالي هاكان فيدان.
أكد أونال أن المخابرات التركية كانت منخرطة مباشرة في تأمين الأشرطة، وأن أردوغان شخصيًا تدخّل لاسترجاعها. أُقيل كل من ياسين سيريم ووالده مقصود سيريم في فبراير 2025 وسط هذا الجدل.
موقف الحكومة والمعارضة
رفضت حكومة أردوغان مزاعم أونال ووصفتها بـ«الافتراءات». في المقابل، استغل زعيم المعارضة أوزجور أوزيل هذه الفضيحة لانتقاد الحكومة تحت قبة البرلمان، متسائلًا عن المدعي الشجاع القادر على فتح تحقيق في هذا الصدد.
التهديدات قبل الاغتيال
قبل يومين من مقتله، تلقت الصحفية عائشمدن أكين، محررة صحيفة «بُغون قبرص» (قبرص اليوم) التي أجرت آخر مقابلة مع أونال، مكالمة تهديد استمرت 27 دقيقة من رقم تركي حذرها من مواصلة النشر. سجلت أكين المكالمة وسلّمتها للشرطة.
أسئلة مفتوحة ودلالات سياسية
في ظل سجل تركيا المتزايد في ملاحقة معارضيها بالخارج، يتساءل مراقبون عمّا إذا كانت هناك أي علاقة بين السلطات التركية وهذه الجريمة. حتى الآن، تلتزم أنقرة الصمت المطبق حيال التفاصيل الدقيقة، فيما يعتبر مراقبون مقتل أونال محاولة لإسكاته إلى الأبد.

