كشف نائب مفوض الشرطة التركي السابق، حسين كوركماز، في مقابلة مسجلة قبل وفاته، أن تحقيقات الفساد التي جرت في ديسمبر 2013 كانت مدفوعة بأدلة قانونية قوية وليست جزءًا من مؤامرة للإطاحة بحكومة تركيا آنذاك بقيادة رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء حينها ورئيس البلاد حاليًا.
نُشرت المقابلة على قناة الصحفي التركي آدم ياوز أرسلان على يوتيوب، بعد وفاة كوركماز (38 عامًا)، في منفاه بالولايات المتحدة هذا الشهر، حيث كان يكافح مرض السرطان.
وقدم كوركماز شهادته حول عملية مكافحة الفساد التي هزت السياسة التركية في ذلك الوقت وجذبت أنظار العالم، حيث قوبلت من قبل الحكومة باعتقالات واسعة طالت مسؤولين أمنيين وقضائيين بعد فترة وجيزة من بدئها.
التحقيقات وكشف الفساد
قاد كوركماز، كنائب مفوض في شعبة الجرائم المالية بالشرطة التركية، تحقيقات كشفت شبكة فساد واسعة النطاق تورطت فيها شخصيات بارزة، من بينهم أفراد من عائلة أردوغان، ووزراء وأبناؤهم، ومسؤولون تنفيذيون في بنك “خلق” التركي.
بدأت القضية باتهامات تتعلق برشاوى وتهريب نظمها تاجر الذهب الإيراني التركي رضا ضراب للالتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران.
في 17 ديسمبر 2013، داهمت الشرطة منازل ومكاتب المتهمين الرئيسيين، وصادرت ملايين الدولارات كانت مخبأة في صناديق أحذية، فيما كشفت تسجيلات هاتفية عن تورط مقربين من أردوغان، بمن فيهم ابنه بلال، في توجيه وتنظيم تلك الصفقات المشبوهة.
رد الحكومة وتبعات التحقيق
في إطار رده، وصف أردوغان هذه التحقيقات بمحاولة انقلاب قضائية نفذها أعضاء من حركة الخدمة التي، استلهمت أفكارها من الراحل فتح الله كولن. واتهم أردوغان الضباط والمدعين المشاركين في التحقيقات بالانتماء إلى ما سماه “دولة موازية” تسعى إلى تقويض حكمه.
وعقب تغييرات جذرية في أجهزة الأمن والقضاء، قررت السلطات وقف تلك التحقيقات سريعًا، وإقالة كوركماز وزملائه من مناصبهم، وسجن العديد منهم. في المقابلة، نفى كوركماز ادعاءات الحكومة بأن العملية كانت محاولة انقلابية، مؤكدًا أن جميع الإجراءات تمت وفق القانون.
“الملك عارٍ”
وكان كوركماز صرخ في وجه وسائل الأعلام التركية أثناء توقيفه بتهمة الانقلاب على الحكومة قائلا: “الملك عارٍ”، في إشارة إلى الرئيس أردوغان، مما حمل الشرطيين الذين كانوا يقودونه إلى مركز الأمن على تكميم فمه بأيديهم، علمًا أن مقولة “الملك عارٍ” مثل شهير يعني أن الحقيقة واضحة للجميع ولكن لا أحد يجرؤ على قولها.
المنفى والشهادة الدولية
بعد إطلاق سراحه من السجن في عام 2016، فر كوركماز إلى الولايات المتحدة، خشية محاكمة غير عادلة في بلاده، ليصبح شاهدًا رئيسيًا في محكمة فيدرالية بمدينة نيويورك. قدم شهادة ساعدت في إدانة مسؤولين تنفيذيين في بنك “خلق” الحكومي التركي، وأثبتت تورط الحكومة التركية في غسل مليارات الدولارات من عائدات النفط الإيراني.
أوضح كوركماز في المقابلة أن التحقيقات استندت إلى أدلة واضحة مثل سجلات المراقبة والمعاملات المالية المشبوهة، نافيا أن تكون العمليات قد استهدفت التأثير على الانتخابات التركية على النقيض من مزاعم الحكومة. كما أشار إلى أن التسريبات التي تضمنت تسجيلات هاتفية لم تكن من مسؤوليته، بل حدثت بعد انتقال الوثائق إلى جهات قانونية أخرى.
تكاليف شخصية باهظة
شدد كوركماز على أن قراره بالتعاون مع السلطات الأمريكية جاء نتيجة إخفاق النظام القضائي التركي في معالجة القضية بشكل عادل، مؤكدا أن تكلفة شهادته كانت باهظة، حيث واجه مذكرات اعتقال بحق ستة من أفراد عائلته، من بينهم والداه وزوجته وأشقاؤه.
اختتم كوركماز حديثه بالإشارة إلى أن أحداث 2013 كانت نقطة تحول في مسار تركيا السياسي، حيث أدت إلى تعزيز سلطة أردوغان وتقويض استقلالية المؤسسات، واعتبر أن تجاهل مزاعم الفساد أدى إلى مشكلات سياسية واقتصادية لاحقة.
المقابلة، التي وُصفت بأنها شهادة كوركماز الأخيرة، قوبلت بإشادة من منظمات حقوق الإنسان ومعارضين أتراك في المنفى، معتبرين حياته مثالًا للشجاعة في مواجهة الاستبداد.