تقرير: ياوز أجار
في قراءة تحليلية للمشهد السياسي التركي، كشف مراقبون ومحللون سياسيون أن الرئيس رجب طيب أردوغان بدأ يبحث عن عدو جديد، بعد تراجع خطر التنظيمات التي طالما استخدمها كمبرر للقبضة الأمنية. وبحسب عدد من المحللين، أبرزهم روشن شاكر، الكاتب الصحفي المتخصص في الحركات الإسلامية والقضايا السياسية، وأمره أوسلو، الكاتب الصحفي المتخصص في قضايا الإرهاب، فإن العدو الجديد بات يحمل الحرف “إ”: أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأبرز منافسي أردوغان شعبياً.
الإرهاب ينفد… وأردوغان يبحث عن بديل
أشار شاكر إلى أن حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي طالما كان عنواناً مركزياً في خطاب الإرهاب الرسمي، قد أعلن وقف العمليات العسكرية تدريجياً. ومع إزالة وصف “الإرهاب” عن العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان، أصبحت إدارة أردوغان – وفقاً لروشن شاكر – دون عدو واضح تسوّق به قمعها وتوجهاتها الاستبدادية.
العدو الجديد: منظمة إمام أوغلو الإرهابية!
في آخر خطاب له في البرلمان، تحدث أردوغان عن ما وصفه بـ”أخطر تنظيم إجرامي في تاريخ الجمهورية”، مشيراً إلى شبكة قال إنها تتجاوز مجرد الفساد إلى حد تهديد الأمن القومي. وبحسب شاكر، فإن التلميحات واضحة: المستهدف هو أكرم إمام أوغلو ومحيطه السياسي.
من إرهاب بالاسم إلى “منظمة بالجملة”
رغم أن أردوغان لم يسمِّ إمام أوغلو صراحة بـ”الإرهابي”، إلا أن الوصف الذي استخدمه – شبكة تهدد الأمن القومي، لها علاقات بجهاز استخبارات، ومرتبطة برجال أعمال وجماعات دينية – هو وصف مطابق للتوصيف القانوني للإرهاب. وهنا توقع شاكر بأن أردوغان يدشن عهداً جديداً من التصعيد، بتعبئة القضاء ضد خصمه الانتخابي الأخطر.
محاولة غير مقنعة: ملف فارغ
لفت شاكر بسخرية إلى أن التحقيقات التي بدأت منذ 19 مارس ضد محيط إمام أوغلو، والموجات المتكررة من التوقيفات، لم تكشف عن دليل يثبت التهم الموجهة، وتابع: “بدأت الحملة بوعود كبرى، وانتهت حتى الآن إلى لا شيء. لا أدلة صادمة، لا ملفات دامغة، لا مفاجآت تقلب الطاولة، بل فراغ حقيقي يتستر عليه خطاب تضخيمي موجه للداخل.”
اللعبة الإعلامية مستمرة… ولكن دون جمهور
أعرب شاكر عن اعتقاده بأن نظام أردوغان سيستمر في بث هذه الحملة الدعائية، مستخدماً القضاء والإعلام الرسمي والمقرب، وربما حتى بعض “الشهود السريين”، إلا أن الشارع لم يعد يصدّق هذه الروايات، بل إن الوضع السياسي يشير إلى أن إمام أوغلو يتفوّق بوضوح على أردوغان في استطلاعات الرأي، ويتزعم الحزب (الشعب الجمهوري) الذي بات الأكثر شعبية في تركيا حالياً.
مفارقة التناقضات: كيف تشرح ذلك للشعب؟
نوه شاكر بالتناقض الصارخ بين رغبة السلطة في إطلاق سراح وجوه كردية مثل زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المعتقل صلاح الدين دميرطاش، والتقارب الصامت مع عبد الله أوجلان، مقابل السعي إلى سجن إمام أوغلو بتهم تتعلق بالأمن القومي. وتساءل: “كيف يمكن لأردوغان أن يشرح لشعبه أنه يعيد النظر في ملفات العمال الكردستاني “الإرهابي”، بينما يصوّر رئيس بلدية منتخب كأكبر تهديد للأمن الوطني؟”
عدو وهمي، سلطة تبحث عن نفس
بحسب رؤية روشن شاكر، فإن أردوغان يصنّع عدواً جديداً لسد فراغ ما بعد العمال الكردستاني، لكن الظروف اليوم مختلفة، والناس أكثر وعياً.
العدو المفترض اليوم اسمه “إمام أوغلو”، لكنّ سحر التكرار فقد تأثيره، والأدوات القديمة لم تعد تقنع أحداً.
حملة إعلامية قبل توجيه القضاء
وفي سياق متصل، أثار الكاتب التركي المقرّب من الحكومة فؤاد أوغور موجة من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية بعد نشره مقالاً في صحيفة TV100، زعم فيه أن إدارة أردوغان، تستعد لتوجيه ضربات لجماعة “السليمانيين”، إحدى أبرز الحركات الدينية التقليدية في البلاد.
تصريحات أوغور، جاءت في إطار ما وصفه بـ”مسيرة الجمهورية التركية في قرنها الثاني”، مؤكدًا أن الدولة لن تسمح لأي جماعة دينية بمحاولة التأثير على مصيرها من خلال “الفساد أو التستر بالدين”.
وبحسب ما كتبه أوغور، فإن جميع المؤشرات لدى المسؤولين الأتراك تدل على أن “الدور قد جاء على السليمانيين”، وهو ما يُفهم على أنه تمهيد إعلامي لمرحلة جديدة من التصعيد الأمني أو القضائي ضد الجماعة، شبيهة بما جرى مع حركة “الخدمة” التي استلهمت من فكر فتح الله كولن الراحل، والتي أُدرجت رسميًا ضمن التنظيمات الإرهابية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز 2016.
اتهامات بلا أدلة: سيناريو مألوف
اتهم أوغور الجماعة، التي أسسها الشيخ سليمان حلمي طوناخان، بتنفيذ أجندات أجنبية مشبوهة، زاعما أنها “تُدار وتُموَّل من قبل أجهزة مثل BND الألمانية، وCIA الأميركية، والموساد الإسرائيلي”، وتُستخدم – حسب زعمه – كغطاء ديني لتقويض الدولة من الداخل.
وعلى الرغم من أنه لم يقدم أي أدلة مادية تدعم هذه الادعاءات، إلا أن نبرة مقاله تتماهى مع الخطاب الإعلامي الذي سبق عملية تصفية حركة الخدمة، والتي رافقها تصعيد أمني شامل شمل آلاف الموظفين والأكاديميين والقضاة.
السياق السياسي: السيطرة على الحقل الديني
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الضغوط الحكومية على الجماعات الدينية غير المتحالفة مع حزب العدالة والتنمية، وسط سعي واضح من السلطة لبناء “تركيا جديدة” ذات طابع مركزي ومؤسساتي صارم، مع تعزيز الهيمنة على الحقل الديني والتربوي.
جماعة “السليمانيين” كانت تاريخيًا جزءًا من البنية الدعوية التقليدية، وامتلكت نفوذًا واسعًا في الأوساط التعليمية، خاصة من خلال شبكة المدارس القرآنية الداخلية. غير أن تنامي تأثيرها المستقل، لا سيما بين طلاب الجامعات، وضعها مؤخرًا في دائرة الشك الرسمي، في ظل سياسة تقليص المساحات المتاحة للفواعل غير الرسمية.
ربط إمام أوغلو بالجماعة: تصفية حسابات سياسية؟
الكاتب والضابط السابق في أكاديمية الشرطة أمره أوسلو، أضاف بُعدًا سياسيًا خطيرًا إلى الطرح، حين نشر فيديو عبر يوتيوب زعم فيه أن أردوغان يخطط لإعلان جماعة السليمانيين تنظيمًا إرهابيًا، تمهيدًا لضرب شخصية بارزة في المعارضة: أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، الذي سبق أن صدر بحقه قرار بالحبس في قضية وصفها مراقبون بأنها سياسية بامتياز.
ووفق أوسلو، فإن بعض أفراد عائلة إمام أوغلو مرتبطون بالجماعة، ما قد يُستغل كذريعة لتوريطه ضمن تحقيقات أو قضايا أمنية، وبالتالي “تصفية” أحد أبرز المنافسين المحتملين لأردوغان في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وكشف أوسلو أن أردوغان يسعى للإيقاع بين إمام أوغلو وحزبه الشعب الجمهوري وقيادته العليا، حيث سواجه الحزب، ذو التوجه العلماني الصارم، صعوبة بالغة في الدفاع عن إمام أوغلو في حال إعلان الجماعة إرهابية وربط إمام أوغلو بها.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن أردوغان قال في آخر تصريحاته “إن التحقيق الذي أطلقته السلطات القضائية بتهمة الفساد المالي ضد بلدية إسطنبول وإمام أوغلو بدأ يمتد إلى بعض الجماعات الدينية وصلاتها بأجهزة الاستخبارات الأجنبية”، فإن تحليل أوسلو يكتسب أهمية ومصداقية.

