ارتفع عدد المعتقلين في إطار تحقيقات تستهدف من يُشتبه في انتمائهم إلى حركة الخدمة التي تستوحي فكر الراحل فتح الله كولن إلى 320 شخصًا، معظمهم طلاب جامعيون أو خريجون حديثون، وذلك ضمن عملية أمنية واسعة النطاق تمركزت في غازي عنتاب وشملت 47 ولاية تركية.
اللافت أن أسئلة الاستجواب التي تم تسريبها أظهرت أن المحتجزين يُستجوبون بشأن أنشطة قانونية بالكامل، ما يثير مخاوف حقوقية جدية بشأن تسييس القانون وتحويل الحياة اليومية إلى قرائن “إرهاب”.
استجواب على خلفية الدراسة والسفر والتطبيقات الرقمية
وفقًا للوثائق التي حصل عليها موقع Turkish Minute الصادر باللغة الإنجليزية، يتلقى المحتجزون أسئلة تتعلق بأنشطتهم الشخصية، ومنها: الالتحاق بمدارس أو جامعات خاصة أو مراكز دعم تعليمي مرتبطة بالحركة، والإقامة في مساكن طلابية أو شقق جماعية، والسفر إلى الخارج والمشاركة في مخيمات تعليمية في دول مثل البوسنة وألبانيا وجورجيا وكردستان العراق، وامتلاك جواز سفر أو رخصة قيادة، واستخدام تطبيقات مراسلة مشفّرة مثل Signal أو Jitsi، والتبرع بأموال تحت مسميات دينية مثل “الزكاة” أو “الإنفاق” أو “الهمّت”.
رغم أن هذه الأنشطة محمية بموجب الدستور التركي ومبادئ الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلا أن السلطات التركية تعتبرها “مؤشرات انتماء” إلى تنظيم تصنفه إرهابيًا.
السياق السياسي: ميراث كولن وأولوية القمع
بدأت الحكومة التركية تصنيف حركة كولن “تنظيمًا إرهابيًا” في 2013 إعلاميا، ثم في مايو 2016 رسميا، ووجهت إليها تهمة تدبير محاولة انقلاب يوليو 2016، رغم نفي كولن وأتباعه المستمر.
ورغم وفاة كولن في أكتوبر 2023، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان ووزراؤه استمرار “الحرب على التنظيم” دون هوادة، بل اعتُبرت وفاة كولن فرصة لإعادة إحياء وتوسيع الحملات الأمنية ضد من تبقى من أتباعه.
بحسب وزير العدل يلماز تونتش، تم فتح أكثر من 705 ألف تحقيق على مدى ثماني سنوات، ويوجد حاليًا أكثر من 13 ألف شخص في السجون بتهم تتعلق بالحركة.
منظمات حقوقية: السلطات تُجرّم الحياة العادية
تقول منظمات حقوقية وخبراء قانونيون إن نمط الأسئلة المطروحة في الاستجوابات يؤكد أن السلطات التركية ما تزال تعتبر “الأنشطة المدنية والتعليمية والدينية والرقمية السلمية أدلة على الإرهاب”.
النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي السابقًا وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب حاليًا، عمر فاروق جرجرلي أوغلو، عبّر عن سخطه قائلاً: “أصبح السفر خارج البلاد جريمة! أصبح الذهاب في رحلة سياحية جريمة! إلى أين تريدون دفع هؤلاء الشباب؟”.
تشمل التحقيقات أيضًا عرضًا قانونيًا ضمنيًا على المحتجزين بالاستفادة من المادة 221 من قانون العقوبات التركي، المعروفة باسم “ندم فعّال”، والتي تمنح تخفيفًا أو إسقاطًا للعقوبة لمن يقرّ ويندم ويتعاون مع السلطات.
تركيا وأزمة المعايير الحقوقية
تركيا عضو في مجلس أوروبا وموقّعة على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلا أن منظمات مراقبة دولية دأبت على التحذير من الاستخدام السياسي الواسع لقوانين مكافحة الإرهاب، وانهيار مبدأ “قرينة البراءة”، وتحوّل القضاء إلى أداة للانتقام السياسي.
وتزداد هذه المخاوف حدة في ظل استخدام تهم “الانتماء إلى منظمة إرهابية” كغطاء لاستهداف المجتمع المدني والمعارضة وأي صوت مختلف.

