في شهادة مؤلمة ومؤثرة، خرج المواطن التركي حقّي ألاغوز، الموظف الحكومي السابق، ليروي كيف تسببت الحملة الأمنية التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 في تمزيق أسرته بالكامل، وانتهت بوفاة زوجته وابنته بطريقة مأساوية، وسجن ابنه لاحقًا.
جاءت شهادته في فعالية بثتها مؤسسة “وقف الضمير “(Vicdan Vakfı)، التي أسسها النائب عن حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب المؤيد للأكراد عمر فاروق جرجرلي أوغلو، المعروف بدفاعه عن قضايا حقوق الإنسان في تركيا.
من الاعتقال إلى الانهيار العائلي: بداية الكارثة
يروي ألاغوز أن اعتقاله المفاجئ خلال مداهمة ليلية لمنزله في أنطاليا بعد 45 يومًا فقط من المحاولة الانقلابية، كان نقطة الانهيار. حينها كانت ابنته تبلغ 17 عامًا، وشهدت اقتياد والدها على يد الشرطة تحت تهديد السلاح، وصرخت باكية: “أبي ليس مجرمًا. إنه رجل طيب.”
تلك اللحظة، كما يقول، كانت بداية الانكسار النفسي لابنته.
أمضى ألاغوز 16 شهرًا في الحبس الاحتياطي بسجن ألانيا، قبل أن يُفرج عنه بانتظار المحاكمة. وفي عام 2018، صدر حكم بسجنه لأكثر من ثماني سنوات، لمجرد علاقته المزعومة بحركة الخدمة، وأُفرج عنه بشروط في عام 2023.
مأساة الابنة: انهيار نفسي ثم مأساة مزدوجة
خلال فترة سجنه، عانت ابنته التي كانت تدرس في جامعة أكدينيز من اضطرابات نفسية حادة، أدت إلى الإدمان والانهيار العاطفي. وفي لحظة أزمة نفسية حادة، قامت بدفع والدتها من مكان مرتفع ما أدى إلى وفاتها، ثم أقدمت على الانتحار.
قرأ ألاغوز أثناء البث رسالة سابقة من ابنته أرسلَتها له في السجن، تقول فيها:“الجميع يحتضن آباءهم. أريد أن أحتضنك أيضًا. أريد أن أتكئ عليك وأتخلص من كل همومي… أنت ملاكي يا أبي.”
الابن خلف القضبان: تكرار المأساة
الصدمة لم تتوقف عند هذا الحد. فبعد خروجه من السجن، تم توقيف ابنه — طالب في سنته الثالثة بجامعة أنقرة — ضمن حملة اعتقالات جماعية شملت أكثر من 200 شخص في إطار تحقيق مرتبط بحركة كولن مصدره مدينة غازي عنتاب.
يقبع الابن حاليًا في سجن غازي عنتاب مع 77 معتقلًا آخرين، معظمهم من الطلاب. ويؤكد ألاغوز براءته كما أكد من قبل براءته الشخصية، قائلاً: “هم طلاب، لا مجرمون.”
السياق السياسي: ما بعد الانقلاب ومحاكمات بالجملة
منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، شنّ الرئيس رجب طيب أردوغان حملة تطهير غير مسبوقة ضد المقرّبين من حركة الخدمة التي استوحت فكر الراحل فتح الله مولن، والتي يتهمها النظام بتدبير الانقلاب، لكن الحركة تنفي أي علاقة بالمحاولة جملة وتفصيلا.
أعلنت السلطات حالة الطوارئ ومرّرت عشرات المراسيم الاستثنائية، ففُصل أكثر من 130,000 موظف حكومي من عملهم، بينهم 24,000 عسكري، و4,156 قاضيًا ومدعيًا عامًا، دون محاكمات عادلة أو رقابة برلمانية.
صوت من داخل البلاد: كفى صمتًا
النائب جرجرلي أوغلو، الذي استضاف الشهادة، قال في البث المباشر: “هذه ليست مجرد قضايا قانونية، بل حيوات دمرها الظلم. لا يمكننا أن نصمت أكثر.”
أما ألاغوز، فقال بكلمات تقطر وجعًا: “فقدت ابنتي، فقدت زوجتي… لا أريد أن أفقد ابني أيضًا. كنا فقط نريد أن نعيش بسلام، والآن كل ما تبقى لنا هو الجراح.”

