قدم الكاتب الصحفي التركي نجيب بهادير قراءة نقدية للخطاب الذي ألقاه قدير أوزكايا، رئيس المحكمة الدستورية في تركيا، بحضور كبار المسؤولين الحكوميين، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أروغان.
وفيما يلي موجز لهذا المقال الذي نشره موقع (TR724) الإخباري التركي:
بين القول والعمل: قراءة نقدية لخطاب قدير أوزكايا
في عالم تغلب عليه الكلمات الرنانة والأقوال البراقة، يُطرح تساؤل ملحّ: ماذا لو كان القول صحيحاً، لكن الفعل معوجاً؟ هل تكفي البلاغة لتحجب زيف التطبيق؟ “آية المرء عمله، لا قوله”، كما قيل قديماً، فالألسن قد تجيد نسج العبارات بينما القلوب تضمر غير ذلك. من هنا تبدأ قصة قدير أوزكايا، رئيس المحكمة الدستورية التركية.
الكلمة الرنانة… والفعل المتناقض
لا جدال في أن التصفيق لكلمة حق أمر طبيعي، لكن عندما يناقض الفعل هذا القول، تبرز المفارقة. لقد شاهدنا كثيراً من المصفقين للكلام الجميل الذين اصطدموا لاحقاً بجدار الواقع القاسي. فكلمات منمقة قد تخفي وراءها قلوباً مائلة عن العدل، وهو ما ينبغي الحذر منه وعدم الانجرار وراء الكلام وحده.
خطاب أوزكايا: الحقيقة المغيبة خلف الكلمات
في الذكرى السنوية لتأسيس المحكمة الدستورية، وقف قدير أوزكايا وألقى خطاباً حماسياً بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير العدل يلماز تونتش. استشهد بآيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى:
“ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.”
ورغم حلاوة الخطاب، إلا أن توجيهه لم يكن مباشراً إلى من يستحقه. فقد استعان بقضية غزة ليحوم حول المعني الحقيقي، متجنباً توجيه النقد المباشر للظلم الداخلي الذي تعرفه تركيا جيداً.
المظلومون داخل البلاد… مغيبون عن الخطاب
الظلم الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي تمارسه السلطة التركية، التي امتلأت سجونها بالأطفال والرضع وكبار السن والنساء. ومع ذلك، لا يرى أمثال أوزكايا وأئمة المساجد ومشايخ الدين سوى مظلومية الفلسطينيين، متجاهلين فظائع الداخل.
تجاهل الجرائم المحلية
ليس خافياً ما يحدث في تركيا: فتيات في عمر الخامسة عشرة تُلاحقن لمجرد قراءتهن القرآن في منازلهن، وأطفال يُتركون دون آباء وأمهات اعتُقلوا معاً دون رحمة. كيف لمن يعيش هذه الوقائع أن يدعي الجهل بها؟ وأي تواطؤ في الصمت أعظم من هذا؟
نماذج صادمة من الظلم
في إحدى المرات، اعتُقلت زوجة الإعلامي مراد أونغون أمام أعين أطفالها، ضمن حملة اعتقالات لم تستثن النساء والأطفال. مشاهد مؤلمة تكررت على مدى سنوات، دون أن يحرك أحد ساكناً، ولا حتى القضاة الذين يفترض بهم أن يكونوا سدنة العدالة.
ماذا عن أوزكايا نفسه؟
رغم خطاباته القوية، إلا أن قدير أوزكايا لم يوجه سهام كلماته بشكل مباشر إلى رأس السلطة، مكتفياً بالتلميح والالتفاف حول الحقيقة. كان بوسعه أن يصدح بكلمة الحق مباشرة، لكنه اختار السلامة، وأخفى نصيحته خلف شعارات عامة حول غزة.
خطاب بلا أثر
خطابات أوزكايا السنوية، رغم قوتها النظرية، لم تترجم إلى تغييرات عملية داخل المحكمة الدستورية التي يرأسها. بل استمرت المحكمة في إصدار قرارات تصبّ في مصلحة النظام، مما يجعل كلماته بلا وزن فعلي أمام الوقائع.
التناقض بين القول والعمل
يقر أوزكايا نفسه بأن العدالة غابت وأن الفوضى عمت نتيجة انعدام الحق. لكنه لم يتحدث عن دور المحكمة التي يرأسها في ترسيخ هذا الظلم، ولم يقدم مراجعة ذاتية أو محاسبة حقيقية لمسيرته القضائية.
النهاية المؤجلة للظالمين
خطابه اختتم بالتذكير بالحساب الإلهي:
“فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.”
غير أن هذا الوعيد لم يُبدِ أثراً على الحاضرين، وعلى رأسهم أردوغان وتونتش. ربما طغى سلطان الدنيا على قلوبهم حتى أغشاها عن مصير لا مفر منه.
مهما زيّنت الكلمات، فالحقيقة تبقى واضحة: القول الصادق لا يشفع لعمل ظالم. والعدالة الموعودة لا تتحقق بخطب تقال في الاحتفالات، بل بأفعال تترجم هذه الأقوال إلى واقع. قدير أوزكايا قال كلاماً صحيحاً، لكن أفعاله ظلت في خدمة الباطل.

