في تقريرها السنوي المقدم إلى البرلمان، اعترفت وزارة الدفاع الفرنسية بالتحوّل الكبير الذي يشهده قطاع الصناعات الدفاعية التركية، مؤكدة أن أنقرة أصبحت في السنوات الأخيرة لاعباً محورياً في سوق السلاح العالمي، بعد أن حققت قفزات نوعية في حجم صادراتها العسكرية.
التقرير أشار إلى أن عام 2024 مثّل نقطة تحوّل حاسمة، إذ سجّلت تركيا نمواً استثنائياً في صادراتها الدفاعية تجاوز معدلات السنوات السابقة، مدفوعاً خصوصاً بصفقات الطائرات المسيّرة التي أصبحت رمزاً لقوتها التقنية الجديدة.
قفزة قياسية في صادرات الصناعات الدفاعية التركية
بحسب البيانات الواردة في التقرير، بلغت صادرات قطاع الدفاع والفضاء التركي نحو خمسة مليارات ونصف دولار في عام 2024، مقارنة بثلاثة مليارات ومئة مليون في العام الذي سبقه.
هذه الزيادة اللافتة تمثل نمواً بنحو ثمانين في المئة، ما وضع تركيا ضمن قائمة الدول الأسرع نمواً في تصدير الأسلحة عالمياً.
التقرير أشار إلى أن هذا التوسع المدعوم باستثمارات ضخمة في البحث والتطوير جعل أنقرة تتبع مساراً مشابهاً لتجربة كوريا الجنوبية في بناء قاعدة صناعية دفاعية متقدمة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
ترسيخ موقع تركيا بين كبار المصدّرين
التقرير الفرنسي استند إلى معطيات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، والتي تظهر أن تركيا احتلت المرتبة الحادية عشرة عالمياً في حجم صادرات السلاح خلال الفترة الممتدة بين 2020 و2024، مسجلة زيادة تفوق الضعف مقارنة بالفترة السابقة ما بين 2015 و2019.
كما تضاعفت حصة تركيا من إجمالي صادرات السلاح العالمية تقريباً، لترتفع من أقل من واحد في المئة إلى ما يقارب اثنين في المئة، وهو ما يعكس تحوّلها من دولة مستوردة للسلاح إلى مصدر رئيسي له في مناطق مختلفة من آسيا وإفريقيا وأوروبا.
فرنسا تحافظ على موقعها وتراقب المنافسة
في المقابل، أشار التقرير إلى أن فرنسا حققت في عام 2024 ثاني أعلى مستوى في تاريخها من حيث عقود تصدير السلاح، إذ بلغت قيمة الطلبيات الجديدة أكثر من واحد وعشرين مليار يورو، معظمها من دول أوروبية، في ظل تزايد الطلب على التسليح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. ويشير هذا الاتجاه إلى إعادة تشكّل خريطة الإنفاق العسكري في أوروبا، حيث تتسابق الدول لتعزيز قدراتها الدفاعية وتحديث ترساناتها.
تحولات كبرى في خريطة التصدير العالمية
على المستوى الدولي، أكد التقرير أن خمس دول رئيسية ـ هي الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا ـ ما زالت تهيمن على أكثر من ثلثي تجارة السلاح العالمية بين 2020 و2024. غير أن أنقرة باتت تمثل استثناءً ملحوظاً في هذا التوازن، إذ تسجّل نمواً متواصلاً في الوقت الذي تتراجع فيه صادرات بعض القوى التقليدية مثل روسيا وألمانيا والصين.
سياق أوسع وتداعيات مستقبلية
يرى مراقبون أن الاعتراف الفرنسي بهذه الطفرة التركية لا يقتصر على البعد الاقتصادي فحسب، بل يحمل أبعاداً جيوسياسية واضحة، في ظل تصاعد نفوذ الصناعات الدفاعية التركية في مناطق النزاع، من القوقاز إلى شمال إفريقيا، مروراً بالبلقان والشرق الأوسط.
كما يأتي هذا التقدير في وقت تتزايد فيه المنافسة داخل أوروبا بين باريس وأنقرة في ملفات الأمن الإقليمي والسياسات الدفاعية، ما يعكس إدراكاً أوروبياً متزايداً لدور تركيا كقوة صاعدة في مجال التسليح والتكنولوجيا العسكرية.

