تقرير: ياوز أجار
يشير الكاتب والمحلل السياسي التركي أرقم طوفان إلى أن الصراع داخل أروقة السلطة في تركيا دخل مرحلة غير مسبوقة من التوتر مع اقتراب نهاية الحقبة الأردوغانية، حيث بدأت ما يسميه بـ”الدولة العميقة” أو “العقل المؤسسي للدولة” في اتخاذ مواقف واضحة ضد مشروع التوريث السياسي الذي يسعى الرئيس رجب طيب أردوغان إلى ترسيخه لصالح نجله بلال أردوغان.
السباق على ما بعد أردوغان: مرحلة الاحتقان السياسي
يرى طوفان، في فيديو على صفحته يوتيوب، أن سباق الخلافة على الحكم في تركيا لم يعد سراً، فالجميع بات يدرك أن أردوغان بلغ مراحل متقدمة من العمر وأن حالته الصحية لم تعد تسمح له بالحفاظ على وتيرة القيادة السابقة. ويشير إلى أن هذا الواقع جعل من النقاش حول مرحلة ما بعد أردوغان أمراً حتمياً، حيث تتابع النخب السياسية والأمنية والاقتصادية في أنقرة وواشنطن هذا الملف بدقة، لأن مستقبل الدولة – كما يقول – لا يمكن أن يُترك لمجهول صحي أو طارئ مفاجئ.
ويصف طوفان الوضع الراهن بصورة رمزية قائلاً: “الصورة اليوم تشبه ذئباً عجوزاً تتناوشه الذئاب الجائعة من حوله، فيما يحاول التمسك بمكانه وسط دوائر الولاء المتصدعة.”
الدولة العميقة ضد مشروع التوريث
يؤكد الكاتب أن ما يسمى “بالعقل العميق للدولة التركية” أبلغ رسالته إلى أردوغان بوضوح، رافضاً ما يصفه بـ”مشروع العائلة الحاكمة”، أي محاولة نقل السلطة إلى ابنه بلال. وبحسب طوفان، فإن مؤسسات الدولة، بما فيها الأجهزة الأمنية والبيروقراطية، ترى أن مستقبل البلاد لا يمكن ربطه باستمرار أسرة واحدة في الحكم، خصوصاً في نظام تتركز فيه كل السلطات بيد شخص واحد.
ويشير إلى أن هذا الرفض الداخلي ترافق مع تحركات مضادة من أردوغان، الذي بدأ في تنفيذ سلسلة من العمليات ضد رجال أعمال محسوبين على شخصيات سياسية يُعتقد أنها مرشحة لخلافته أو تحظى بدعم من “الدولة العميقة”.
الاقتصاد ميدان الصراع الجديد
يحلل طوفان خلفيات الحملات الأخيرة ضد عدد من رجال الأعمال المقربين من حزب العدالة والتنمية، مبيناً أن هذه العمليات لا علاقة لها بما يُروّج عن “تعزيز الشفافية الاقتصادية” أو “طمأنة الأسواق”، بل إنها جزء من حرب تكسير العظام بين معسكر أردوغان ومعسكر ما بعده.
فالكثير من رجال الأعمال الذين أثروا في عهد حزب العدالة والتنمية يعيشون اليوم حالة قلق حاد، إذ يدركون أن ثرواتهم وامتيازاتهم في خطر إذا ما تبدّلت موازين القوى. لذلك، كما يقول طوفان، “أصبحوا يلعبون على الحبلين: يبدون الولاء للرئيس، لكنهم في الوقت نفسه يفتحون قنوات مع القوى الصاعدة تحسباً لأي انتقال مرتقب.”
الذئاب الثلاثة: يافاش، إمام أوغلو، فيدان
يتحدث أرقم طوفان عن ثلاثة أسماء رئيسية تراقبها الدولة العميقة بوصفها محاور القوة المستقبلية في تركيا: منصور يافاش، أكرم إمام أوغلو، وهاكان فيدان. ويشرح أن يافاش وإمام أوغلو يمثلان الخطر السياسي العلني على أردوغان، لذلك يسعى الأخير إلى الحد من نفوذهما بشتى الطرق، بينما يُعد هاكان فيدان – وزير الخارجية الحالي ورئيس الاستخبارات السابق – “الخطة البديلة” المفضلة لدى المؤسسة العميقة.
فيدان، كما يصفه طوفان، “هو الصندوق الأسود لأردوغان، يعرف كل الأسرار والملفات الحساسة من مرحلة الاستخبارات حتى السياسة الخارجية، ولذلك يُنظر إليه كأحد أخطر وأقوى المرشحين لخلافة أردوغان”.
ويضيف أن فيدان ليس وحيداً، بل يحظى بدعم أوساط مؤثرة، منها دوائر مرتبطة بإنجلترا، إضافة إلى تحالف غير معلن مع زعيم الحركة القومية دولت بهجلي عبر مستشاره السابق شنغال أتاسوغون، وهو ما يجعل ترشيحه جزءاً من توازن دقيق داخل “الدولة العميقة”.
عمليات أردوغان المضادة: ضرب “الذراع الاقتصادية” لفيدان
يعتقد طوفان أن أردوغان يدرك تماماً تحركات فيدان وشبكته السياسية، لذلك بدأ بتوجيه ضربات متتالية لرجال الأعمال المرتبطين به أو المتعاونين مع خصومه في الداخل. ويستند الرئيس، بحسب التحليل، إلى تقارير من رئيس الاستخبارات الحالي إبراهيم قالين، الذي يراه الكاتب بدوره أحد “الذئاب الجديدة” المتأهبة لدخول سباق الخلافة.
وبهذا، تصبح أجهزة الدولة ساحة صراع مكتوم بين أجنحة متعددة، يجمعها هاجس واحد: مرحلة ما بعد أردوغان.
مشروع “بلاط العائلة” وصيغة بلال أردوغان
في خضم هذا الصراع، يرى طوفان أن أردوغان يحاول تثبيت خيار بديل داخل أسرته عبر خطة توريث غير معلنة تقضي بتهيئة نجله بلال أردوغان لتولي موقع نائب الرئيس في حال فوزه بالانتخابات المقبلة.
ويعتقد أن أردوغان يسعى للفوز بانتخابات 2028 بأي وسيلة ممكنة، حتى عبر تقديم وعود مؤقتة للأكراد بتسوية سياسية مؤجلة، ثم الانسحاب لاحقاً لأسباب صحية بعد إحكام قبضة العائلة على الحكم.
لكن الكاتب يحذر من أن هذه الخطة محفوفة بالمخاطر، إذ إن بلال يفتقر إلى النفوذ السياسي والخبرة الميدانية، ما يجعله – في نظر طوفان – “لقمة سهلة في مائدة الذئاب المحيطة بوالده”. ويقول إن أردوغان “يعلم أن بقاءه في الحكم بات مستحيلاً، لكنه يحاول تأجيل الانهيار عبر إلقاء ابنه في أتون الصراع لإنقاذ إرثه السياسي”.
صراع الذئاب على العرش
يختم أرقم طوفان تحليله بالتأكيد على أن أردوغان لم يعد يقاتل المعارضة وحدها، بل يخوض حرباً داخلية ضد حلفائه السابقين ممن يتحينون الفرصة للانقضاض على السلطة. ويصف المشهد السياسي في تركيا بأنه صراع بقاء بين ذئب عجوز يحاول النجاة وذئاب شابة عطشى للدم والسلطة، مشيراً إلى أن التاريخ التركي يكرر نفسه: “حين يسقط الذئب العجوز، لا يتردد أحد في تمزيقه”.

