شنت السلطات التركية، الثلاثاء، حملة مداهمات واعتقالات طالت ثلاثين شخصاً في مدينتي أنطاليا وإسطنبول، ضمن سلسلة من التحقيقات في قضايا فساد تستهدف البلديات التي يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض.
في أنطاليا، أفاد مكتب الادعاء العام أن سبعة عشر شخصاً أوقفوا بتهم تتعلق بدفع أربعة مقاولين ما مجموعه 195 مليون ليرة تركية (نحو ستة ملايين دولار) كرشاوى لرئيس بلدية أنطاليا، محيي الدين بوجك، ونجله، مقابل تسهيل صرف مستحقات مشاريع بلدية. التحقيقات تشير إلى أن جزءاً من الأموال مر عبر مكتب صرافة، بينما سلّم الباقي نقداً.
إيقاف رئيس بلدية أنطاليا
بوجك اعتقل في الخامس من يوليو، برفقة طليقته، وأودع السجن بعد يومين، بينما ظل ابنه خارج البلاد. وفي السابع من يوليو، أصدرت وزارة الداخلية قراراً بإيقافه عن مهامه، رغم نفيه جميع التهم الموجهة إليه.
عملية إسطنبول: اتهامات واسعة النطاق
في إسطنبول، أعلن مكتب النائب العام إصدار أوامر توقيف بحق أربعة عشر شخصاً، من بينهم موظفون في البلدية وممثلون عن شركات وأفراد، بتهم تشمل “قيادة منظمة إجرامية”، و”الانتماء إلى منظمة إجرامية”، و”الرشوة”، و”الابتزاز”، و”الاحتيال المشدد”، و”الحصول غير المشروع على بيانات شخصية”، و”التلاعب في المناقصات العامة“.
قوات الدرك اعتقلت ثلاثة عشر منهم، في إطار تحقيق مرتبط بتوقيفات سابقة، أبرزها اعتقال تانر شيتين، رئيس دائرة الصحافة والنشر والعلاقات العامة في بلدية إسطنبول، المتهم بترتيب مناقصات لصالح شركات مقربة منه مقابل مبالغ مالية غير قانونية ألحقت خسائر بالبلدية. وتشمل الاعتقالات الأخيرة زوجة شيتين وابنه.
خلفية الحملة على حزب الشعب الجمهوري
تأتي هذه العمليات في سياق حملة أوسع ضد حزب الشعب الجمهوري وفروعه. فمنذ مارس الماضي، اعتُقل أو أوقف أكثر من خمسمائة شخص مرتبطين بالحزب أو ببلدية إسطنبول، من بينهم أربعة عشر رئيس بلدية، على رأسهم رئيس بلدية إسطنبول الموقوف، أكرم إمام أوغلو، المرشح الرئاسي المحتمل للحزب في انتخابات 2028.
ملف إمام أوغلو: تصعيد قضائي وسياسي
إمام أوغلو اعتقل في 19 مارس بتهم فساد وإرهاب، وهي اتهامات ترى المعارضة أنها ذات دوافع سياسية. وبعد أيام، وُجهت إليه اتهامات بالفساد أدت إلى توقيفه. سبق أن صدرت بحقه حكمين بالسجن، أحدهما بتهمة “إهانة وكيل نيابة”، وكلاهما قيد الاستئناف حالياً. لكن المعارضة تصف هذه الأحكام بأنها “أداة لتصفية سياسية“.
أصداء داخلية ودولية
اعتقال إمام أوغلو فجّر أكبر موجة احتجاجات تشهدها تركيا منذ عقد، واعتبر خطوة تستهدف أبرز منافس للرئيس رجب طيب أردوغان في الاستحقاق الرئاسي المقبل. وفي المقابل، حذرت منظمات حقوقية دولية ونواب أوروبيون من أن هذه الاعتقالات والضغوط القضائية تهدد ما تبقى من المعايير الديمقراطية في تركيا، مشيرين إلى أن سجن مرمرة في سيليفري، حيث يحتجز العديد من المعارضين، أصبح رمزاً لتفاقم الأزمة السياسية الداخلية.
تطورات سياقية حديثة
تزامنت هذه الاعتقالات مع تعزيز الحكومة التركية قبضتها على المؤسسات البلدية في المدن الكبرى التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 2019 و2024، وسط مخاوف من استخدام ملفات الفساد كأداة سياسية لإضعاف المعارضة قبل الانتخابات المقبلة. مراقبون أشاروا إلى أن وتيرة التحقيقات وتسلسلها الزمني يعكسان تنسيقاً محكماً بين الأجهزة الأمنية والقضائية لاستهداف قيادات محلية مؤثرة.

