في تطور مفاجئ هز أسواق التكنولوجيا العالمية، أعلن عن إطلاق المساعد الذكي الجديد DeepSeek، الذي يُعتبر نقطة تحول رئيسية في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، مما أثار صدمة كبيرة داخل وادي السيليكون وأدى إلى اضطراب الأسواق المالية الأمريكية بشكل غير مسبوق.
وفقًا لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وصف المستثمر مارك أندريسن ظهور DeepSeek بأنه لحظة “سبوتنيك” جديدة، في إشارة إلى القمر الصناعي الذي أطلقه الاتحاد السوفييتي في خمسينيات القرن الماضي وأشعل سباق الفضاء. المساعد الذكي الصيني، الذي أُعلن عنه في 20 يناير، سرعان ما تصدر قائمة التطبيقات المجانية الأكثر تحميلًا على متجر تطبيقات Apple في نهاية الأسبوع، وأثار موجة مبيعات في أسهم عمالقة التكنولوجيا الأمريكية.
صدمة الأسواق الأمريكية
بحلول يوم الاثنين 27 يناير، سجلت أسهم شركة Nvidia، الرائدة في تصنيع الرقائق الإلكترونية، انخفاضًا مذهلًا بنسبة 17%، مما يعادل خسارة قيمتها نحو 600 مليار دولار من السوق. وفقًا لتقرير بلومبرغ، يعتبر هذا الانخفاض أحد أكبر الانهيارات في تاريخ البورصات الأمريكية.
وراء هذا الانهيار تكمن مسألة التكلفة؛ فقد زعمت الشركة الصينية المطورة لـ DeepSeek أن تكلفة تطوير النموذج بلغت حوالي 5.6 مليون دولار فقط، مقارنةً بتكاليف هائلة تصل إلى مليارات الدولارات أنفقتها شركات أمريكية مثل OpenAI، التي خصصت نحو 5 مليارات دولار لتطوير تقنياتها، إلى جانب Google وAnthropic. هذه الفجوة الكبيرة أثارت تساؤلات حول كيفية تحقيق هذه النتائج بتكاليف زهيدة للغاية.
ردود فعل مختلطة من المحللين والمستثمرين
بينما يعبر البعض عن إعجابهم بالتقدم المذهل الذي حققه DeepSeek، يتساءل آخرون عن دقة الادعاءات التي قدمتها الشركة الصينية. المحلل المخضرم جين مونستر وصف الأداء التقني للمساعد الذكي بأنه “مذهل للغاية لدرجة يصعب تصديقها”، معبرًا عن شكوكه في البيانات المعلنة عن تكلفة التطوير. ورغم هذه الشكوك، أقر مونستر بأن ما حققته الصين يُعد “ضربة قوية” للهيمنة الأمريكية في قطاع الذكاء الاصطناعي.
ردود الأفعال السياسية: صفعة مدوية
في السياق السياسي، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الحدث بأنه “جرس إنذار” لصناعة التكنولوجيا الأمريكية، مشيرًا إلى أهمية مراجعة السياسات المتعلقة بالصين. كما أكد أن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بتكاليف أقل “أمر إيجابي”، لكنه يعكس تحديًا كبيرًا للريادة الأمريكية.
ومن جهة أخرى، أثارت هذه التطورات قلق الشركات الأمريكية، لا سيما في ظل إعلان DeepSeek أنه يعتمد على برامج مفتوحة المصدر، مما يجعل النموذج الجديد متاحًا للاستخدام مجانًا. كما أكدت الشركة الصينية أن نظامها يعتمد على رقائق H800 التي تنتجها شركة Nvidia، ما يسلط الضوء على دور الموارد التقنية المتاحة في تحقيق هذا الاختراق.
دلالات أوسع على سباق التكنولوجيا العالمي
تأتي هذه التطورات في وقت كانت الولايات المتحدة تعتبر فيه نفسها متفوقة بشكل غير قابل للنقاش في مجال الذكاء الاصطناعي، مستندة إلى سيطرتها على صناعة الرقائق الدقيقة واستثماراتها الضخمة في البنية التحتية التقنية. حتى أن مشروع “ستارغيت” الذي أعلن عنه حديثًا باستثمار قيمته 500 مليار دولار، كان من المفترض أن يرسخ الهيمنة الأمريكية من خلال بناء مراكز بيانات ضخمة في ولاية تكساس وخلق 100 ألف فرصة عمل.
إلا أن ظهور DeepSeek أعاد تشكيل قواعد اللعبة، وأكد أن الصين لا تزال قادرة على منافسة أمريكا بقوة، مستفيدة من وفرة المهندسين المهرة والسيطرة على المعادن النادرة الضرورية لصناعة التكنولوجيا.
إجراءات أمريكية مرتقبة
يتوقع الخبراء أن تتخذ إدارة ترامب المزيد من الخطوات لتقييد مبيعات الرقائق إلى الصين، في محاولة للحد من قدرة الصين على تحقيق المزيد من الاختراقات في هذا المجال. في الوقت نفسه، وصف مؤسس OpenAI سام ألتمان أداء DeepSeek بأنه “مثير للإعجاب”، خصوصًا بالنظر إلى التكلفة المنخفضة مقارنة بالنتائج.
ظهور سباق جديد
كما كان إطلاق القمر الصناعي “سبوتنيك” في خمسينيات القرن الماضي إيذانًا ببدء سباق الفضاء، يبدو أن إطلاق DeepSeek قد فتح فصلًا جديدًا في سباق الذكاء الاصطناعي. هذا الفصل لن يكون فقط صراعًا على التفوق التقني، بل أيضًا فرصة لإعادة تعريف مستقبل التكنولوجيا العالمية.
الخلاصة: تُظهر هذه التطورات أن المنافسة في الذكاء الاصطناعي لن تقتصر فقط على التفوق التكنولوجي، بل ستشمل أيضًا تحقيق نتائج عظيمة بتكاليف أقل، ما يمثل تحديًا جذريًا للنماذج الحالية التي تعتمد عليها كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية. الأيام القادمة ستكشف عن كيفية استجابة الولايات المتحدة لهذا التحدي الصيني، وعن الأثر الذي سيتركه DeepSeek على المشهد التقني العالمي.