تقرير: ياوز أجار
أشعل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، الذي يستعد لمغادرة منصبه مطلع مارس، موجة من الجدل بعد تصريحاته التي أعرب فيها عن قلقه إزاء تنامي القدرات العسكرية المصرية، محذرًا من أن “التهديد الأمني المصري قد يتغير في أي لحظة”.
ورغم خطورة هذه التصريحات، التزمت القاهرة الصمت الرسمي، وهو ما فُسِّر على أنه تفويت متعمّد للفرصة على إسرائيل، التي تسعى لصرف الأنظار عن القضية الأهم، وهي وقف إطلاق النار في غزة.
إسرائيل تصعّد خطابها ضد مصر
لم تتوقف التصريحات الإسرائيلية عند هاليفي، فقد سبق أن أعاد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل ليتر، تسليط الضوء على الملف العسكري المصري، متهمًا القاهرة بتعزيز وجودها العسكري في سيناء، وإنشاء قواعد هجومية، وخرق معاهدة السلام الموقعة عام 1979. وقد أدلى بهذه التصريحات خلال مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، في توقيت تزامن مع استعداد بنيامين نتنياهو للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما اعتبره مراقبون حينها محاولات تل أبيب لتصعيد الخطاب ضد القاهرة.
التوتر في ظل مفاوضات غزة
يتزامن هذا التصعيد الإسرائيلي مع انطلاق الجولة الثانية من مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس في القاهرة، ما يثير تساؤلات حول نوايا تل أبيب الحقيقية بشأن التزامها بهذه المفاوضات. فعلى الرغم من إعلان مصر رسميًا عن بدء المحادثات يوم الخميس، سارعت إسرائيل إلى التصريح بعدم نيتها الانسحاب من ممر فيلادلفيا جنوب غزة، وهو ما يهدد بفشل المفاوضات، ويضع الوساطة المصرية في موقف صعب، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى تحقيق تقدم دبلوماسي في الملف الفلسطيني.
هل تتجه الأوضاع إلى مواجهة عسكرية؟
يرى محللون أن إسرائيل قد تستغل مخاوفها المعلنة بشأن تصاعد القوة العسكرية المصرية كذريعة لشن ضربة استباقية، رغم أن الجيش المصري لا يضع المواجهات الخارجية ضمن أولوياته، إذ يركز بشكل رئيسي على الأمن الداخلي والمشاريع الاقتصادية. ومع ذلك، فإن التصريحات الإسرائيلية المستمرة حول “التهديد المصري” قد تكون جزءًا من استراتيجية تهدف إلى توجيه الأنظار بعيدًا عن الإخفاقات العسكرية التي تعرضت لها إسرائيل بعد عملية “طوفان الأقصى”.
لكن هل يمكن أن تتحول هذه الحرب الكلامية إلى مواجهة حقيقية؟ الإجابة على الأرجح لا. فالمؤشرات الحالية توضح أن الأمر لا يتجاوز كونه أداة للضغط السياسي والإعلامي، سواء لخدمة الأجندات الداخلية في إسرائيل، أو لإرباك الموقف المصري ومحاولة تقويض دوره كوسيط محوري في الصراع الفلسطيني.
تحريض متعمد ضد مصر
تبدو محاولات إسرائيل لتسليط الضوء على القوة العسكرية المصرية وكأنها جزء من استراتيجية تهدف إلى إضعاف الموقف المصري، وعرقلة أي دور قيادي للقاهرة في القضية الفلسطينية. صحيفة “العرب“ اللندنية أشارت إلى أن تل أبيب تسعى إلى تضخيم قدرات الجيش المصري بهدف إرباك جهود القاهرة في إيجاد حلول عربية بديلة لأي مخططات أميركية تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها.
في المقابل، يرى المصريون أن هذه التصريحات ليست مجرد مخاوف أمنية، بل هي تحريض سياسي يستهدف تشويه دور مصر وتقويض وساطتها في مفاوضات وقف إطلاق النار، إضافةً إلى محاولة التشكيك في رؤية القاهرة التي ستُطرح خلال القمة العربية الطارئة المزمع عقدها في القاهرة بشأن مستقبل غزة.
الأهداف الإسرائيلية من التصعيد
تكشف هذه الحملة الإسرائيلية عن عدة أهداف رئيسية:
- تضليل الرأي العام الإسرائيلي وإبعاد الأنظار عن الإخفاقات الأمنية والعسكرية في غزة.
- تبرير استمرار الاحتلال الإسرائيلي لممر فيلادلفيا جنوب قطاع غزة، رغم الالتزامات السابقة بالانسحاب.
- الضغط على مصر دبلوماسيًا لمنعها من فرض حلول تتعارض مع المصالح الإسرائيلية.
- إضعاف الدور المصري عربيًا عبر تصويره كتهديد أمني بدلاً من كونه طرفًا رئيسيًا في الحلول السياسية.
في المقابل، تبدو مصر حريصة على عدم الانجرار إلى هذا التصعيد، مع إبراز قوتها العسكرية كرسالة ردع دون التورط في مواجهة مباشرة. فالقاهرة تدرك أن أي صدام عسكري لن يكون في مصلحتها، لا سيما مع انشغالها بأوضاعها الداخلية وتحدياتها الاقتصادية.
خلاصة
رغم حدة التصريحات الإسرائيلية، تبقى المواجهة العسكرية بين مصر وإسرائيل سيناريو مستبعدًا، حيث يندرج هذا التوتر في إطار حرب نفسية وضغوط سياسية تهدف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية. إسرائيل، التي تواجه أزمة ثقة داخلية بعد فشلها في احتواء تداعيات حرب غزة، تسعى إلى استغلال “التهديد المصري” كوسيلة لتبرير سياساتها، في حين تواصل القاهرة لعب دورها كوسيط، مع تجنب أي تصعيد غير محسوب. الحرب قد تظل كلامية، لكن التنافس على النفوذ في المنطقة بات واضحًا أكثر من أي وقت مضى.