كشف تقرير لوكالة “رويترز” أن تحالفًا من فصائل المعارضة السورية أبلغ تركيا قبل ستة أشهر بخطة شن هجوم واسع النطاق، أدى في النهاية إلى انهيار نظام بشار الأسد، مشيرًا إلى أن المعارضة شعرت بأنها حصلت على “موافقة ضمنية” من تركيا، وفقًا لمصدرين مطلعين على التخطيط للعملية.
هجوم خاطف وانتصار سريع
انطلقت العملية قبل أسبوعين فقط، وحققت نجاحًا سريعًا ومفاجئًا تمثل في السيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا. ومن هناك، وفي غضون أكثر من أسبوع بقليل، تمكن تحالف المعارضة من الوصول إلى دمشق وإنهاء خمسة عقود من حكم عائلة الأسد يوم الأحد.
اعتمد التقدم السريع للمعارضة على ظروف مثالية للقوات المناهضة للأسد: الجيش السوري كان يعاني من إرهاق ومعنويات منخفضة، فيما كان حلفاؤه الرئيسيون، إيران وحزب الله اللبناني، يواجهون ضعفًا شديدًا بسبب صراعاتهم مع إسرائيل، بالإضافة إلى انشغال روسيا، الداعم العسكري الرئيسي للأسد، وتراجع اهتمامها بالمشهد السوري.
إبلاغ تركيا بالخطة مسبقًا
وفقًا للمصادر، لم يكن بإمكان المعارضة المضي قدمًا في خطتها دون إخطار تركيا مسبقًا، خاصة أنها كانت داعمًا رئيسيًا للمعارضة السورية منذ الأيام الأولى للصراع. وقال مصدر دبلوماسي في المنطقة وعضو في المعارضة السورية إن تركيا، التي لديها قوات على الأرض في شمال غرب سوريا وتقدم الدعم لبعض فصائل المعارضة مثل الجيش الوطني السوري (SNA)، تم إبلاغها بالخطة.
لكن التحالف الرئيسي الذي قاد الهجوم، هيئة تحرير الشام (HTS)، يعتبر منظمة إرهابية بالنسبة لأنقرة بسبب ارتباطاتها السابقة بتنظيم القاعدة.
الخطة الجريئة بقيادة الجولاني
ووفقًا للدبلوماسي، كانت الخطة الجريئة من بنات أفكار هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني. وعلى الرغم من تصنيف الجولاني كإرهابي من قبل واشنطن وأوروبا وتركيا بسبب علاقاته السابقة بالقاعدة، حاولت هيئة تحرير الشام خلال العقد الماضي تعديل صورتها وإدارة شبه دولة في إدلب عبر فرض الضرائب على الأنشطة التجارية والسكان.
موقف تركيا المتغير تجاه الأسد
رغم أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عارضت لفترة طويلة أي هجوم كبير للمعارضة خشية تدفق موجة جديدة من اللاجئين عبر الحدود، إلا أن المعارضة لاحظت تغيرًا في موقف أنقرة تجاه الأسد في وقت سابق من هذا العام. جاء هذا التغير بعدما رفض الأسد مرارًا محاولات أردوغان للتوصل إلى حل سياسي يضع حدًا للجمود العسكري الذي أدى إلى تقسيم سوريا بين النظام ومجموعة من الفصائل المعارضة المدعومة من قوى أجنبية.
ووفقًا لمصدر في المعارضة السورية، أظهرت المعارضة لتركيا تفاصيل التخطيط للهجوم بعد فشل جهود أنقرة للتواصل مع الأسد. وكانت الرسالة الموجهة لأنقرة واضحة: “الطريق الآخر لم ينجح لسنوات، جربوا طريقنا. أنتم لستم بحاجة لفعل شيء، فقط لا تتدخلوا.”
ردود الفعل التركية والدولية
وفي تصريح أدلى به وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في الدوحة يوم الأحد، قال إن جهود أردوغان الأخيرة للتواصل مع الأسد باءت بالفشل، مضيفًا: “كنا نعلم أن شيئًا ما على وشك الحدوث.”
من جهته، صرّح نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، في مؤتمر حول شؤون الشرق الأوسط في البحرين يوم السبت، بأن أنقرة ليست وراء الهجوم ولم تمنح موافقتها عليه، مشددًا على قلق تركيا بشأن عدم الاستقرار.
وأكد مسؤول تركي أن هيئة تحرير الشام “لا تتلقى أوامر أو توجيهات منا، ولا تنسق عملياتها معنا”.
أما الولايات المتحدة، فقال مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن اسمه إن واشنطن كانت على دراية بالدعم التركي العام للمعارضة، لكنها لم تُبلغ بأي موافقة تركية ضمنية على الهجوم.
المكاسب التركية
مع بداية الهجوم، تمكن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، بما في ذلك مدينة تل رفعت، من القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. وفي وقت لاحق، دخلت المعارضة مدينة منبج الشمالية بعد دفع القوات الكردية للتراجع.
وقال المحلل السياسي التركي بيول باشكان: “تركيا هي أكبر الرابحين الخارجيين هنا. لقد أثبت أردوغان أنه في الجانب الصحيح — أو على الأقل الجانب المنتصر — من التاريخ، لأن حلفاءه في سوريا حققوا الانتصار.”